FPN
انتشرت في مدينة حلب، وبين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية حالة من الغضب الشعبي والانتقادات إثر تعدٍ طال النصب التذكاري لشهداء جلاء الاحتلال الفرنسي عن سوريا، بعد ظهوره مكسوراً جزئياً، ما اعتُبر اعتداءً على إرث المدينة وذاكرتها الرمزية، وتصاعدت الأصوات المطالبة بتوضيح رسمي، تزامناً مع تداول صور ومقاطع تُظهر قيام بعض الأشخاص بكسر التمثال الذي يتوسّط ساحة سعد الله الجابري، ويُعدّ أحد أبرز معالم الذاكرة الوطنية في المدينة.
في تسجيل مصور انتشر قبيل إزالة التمثال، ظهر أحد الأشخاص يقول: “الآن الإخوة سيزيلون هذه الأصنام التي نحتها المشركون منذ عقود عديدة، حتى لا يُعبد إلا الله في الأرض، ولا تُفتن الناس”. تصريح اعتبره ناشطون ومثقفون في المدينة مؤشراً خطيراً على تنامي خطاب متشدد يُحرّض على تدمير الرموز الثقافية تحت ذرائع دينية، على غرار ما قامت به تنظيمات متطرفة في مراحل سابقة من تاريخ سوريا الحديث.
التمثال الذي صممه الفنان الحلبي الراحل، عبد الرحمن موقت، تكريماً لشهداء الجلاء، أُشيع في الآونة الأخيرة أنه مهدد بالإزالة ضمن مشروع إعادة تأهيل الساحة. الأمر أثار في حينه حفيظة عدد من السوريين، ما دفع القائمين على المشروع للتراجع والتأكيد أن التمثال سيبقى في مكانه.
غير أن الاعتداء الأخير –الذي وُصف بأنه “مأساة” لمدينة عريقة مثل حلب– أعاد الجدل إلى الواجهة، مع تصاعد الاتهامات للجهات الرسمية بالتقصير، وغياب الشفافية في التعاطي مع إرث المدينة الثقافي والتاريخي.
في المقابل، أصدرت مديرية الآثار والمتاحف في حلب، أمس الأربعاء بياناً قالت فيه إن نقل التمثال تمّ ضمن خطة إعادة تأهيل ساحة سعد الله الجابري، وأن الخطوة تهدف إلى “الحفاظ على التمثال وقيمته الفنية” عبر نقله إلى موقع جديد تمهيداً لترميمه على يد مختصين فنيين، وذلك بعد أن أصبح يحجب جزئياً رؤية الشاشة الكبرى في الساحة.
لكن هذا التبرير الرسمي لم يُقنع الكثيرين، فقد نشر محمد موقت، ابن الفنان الراحل، عبد الرحمن موقت، بياناً شديد اللهجة، وصف فيه ما جرى بأنه “تعدٍ سافر على إرث حلب وذاكرتها”، مؤكداً أن التمثال يخلد شهداء مقاومة الاحتلال الفرنسي، ولا يحمل أي بعد حزبي أو طائفي. وليس له علاقة بأي سرديات سياسية أو حزبية، بل هو عمل فني ووطني بامتياز يخلد شهداء مقاومة الاحتلال الفرنسي، وقال: “كل حياتي مع والدي، ما جاب سيرة البعث ولا الجيش. ولا كان مطلوب منه هالشي، النصب هو تكريم لشهداء الوطن، ولا يقبل أي تأويل آخر، لا من فلول النظام ولا من أعلام الإخوان ولا من السلطة الحالية، وما أعتقد في حدا بصمّم ساحة ونصب تذكاري وما بيعرف معانيه المعلنة والمخفية”.
أشار موقت إلى أن حلب تعاني منذ عقود من تهميش متواصل على مختلف الأصعدة، معتبراً أن ما جرى ليس مجرد تعدٍّ على حجر أو إرث فني، بل هو انعكاس لغياب الشفافية والإدارة الرشيدة في المدينة. وطالب بإقالة مدير الثقافة في حلب، معتبراً أنه “لا يحترم الفن ولا الفنانين”، داعياً إلى تعيين أشخاص مؤهلين يحفظون تاريخ المدينة ويصونون مكانتها.
محمد ذكّر بموقف والده خلال الثورة السورية، إذ أجبر على نحت تمثال لرئيس النظام السابق في مدينة الرستن، لكنّه لم يأسف على تدميره لاحقاً، قائلاً حينها: “هاد كله حجر، ما بيسوى نقطة دم نزلت بحمص”.
الواقعة أثارت أيضاً ردود فعل غاضبة من مثقفين وفنانين وناشطين حلبيين وسوريين، طالبوا بتوضيح رسمي حول ما حدث، ومحاسبة المسؤولين عن التخريب، والحفاظ على إرث المدينة التاريخي، مؤكدين أن احترام رموز الذاكرة الوطنية يجب أن يكون فوق أي اعتبارات سياسية أو عمرانية، فيما ما تزال الجهات الرسمية، حتى لحظة إعداد هذا الخبر، تكتفي ببيانات مقتضبة، وسط مطالب متزايدة بتوضيحات تفصيلية حول مصير النصب التذكاري، والجهات المتورطة بما جرى.
