نوار الخطيب
تنتشر في مراكز المدن العديد من عيادات ومراكز التجميل، ويعمل في بعضها مقيمون لم ينهوا بعد فترة الاختصاص، سواء كانوا مختصين في التجميل أم الجلدية أو حتى الأسنان، وأحياناً أخرى يعمل فيها أشخاص بعيدون عن هذه الاختصاصات كلياً.
تبرز اليوم حاجة ملحّة لمعرفة الجهة التي من شأنها أن تحدد ضوابط مزاولة هذه المهنة في سوريا والآلية التي يمكن من خلالها فرض رقابة صارمة عليها، لما لها من أثر بالغ على الصحة العامة، في ظل غياب إحصاء دقيق لعدد تلك العيادات والمراكز على الرغم من انتشارها بكثرة وتزايد الإعلانات التي تروّج لها على مواقع التواصل الاجتماعي.
في عهد نظام الأسد، وتحديداً بين عامي 2023 و2024، صدرت عدة قوانين عن مديريات الصحة، ولاحقاً أصدرت وزارة الصحة القرار رقم 3/ت بتاريخ 18 شباط 2024 لتنظيم مزاولة مهنة التجميل، وحدد القانون وقتها من يحق له ممارسة التجميل اللاجراحي؛ وهو إجراءات حقن البوتوكس والفيلر واستخدام الخيوط الجراحية وكل الإجراءات الطبية التجميلية التي لا تتطلب تخديراً وشقاً جراحياً.
بحسب القانون، تم حصر ممارسة هذه الإجراءات بأطباء التجميل، وسُمح لأطباء الأسنان ممن اختصوا في جراحة الوجه والفكين بممارسة الحقونات، وأطباء الجلدية أيضاً. أما أطباء العينية والأذنية فتم حصر عملهم في نطاق العيون وحول الأنف فقط. كما شدد القانون على تطبيق عقوبات على من يخالف تلك القرارات، وذلك بعد أن تزايدت الشكاوى حينها على أشخاص من خارج القطاع الطبي زاولوا المهنة؛ كفنيي تجميل والعاملين في قطاع التمريض، وهو ما نتج عنه كثير من المشاكل والاختلاطات الطبية.
في حديث لشبكة الصحافة الحرة اعتبر سامر، وهو طبيب مقيم في مجال الجراحة التجميلية، أنه يجب اليوم على وزارة الصحة في الحكومة الانتقالية أن تعيد تفعيل القرارات القديمة الخاصة بإجراءات التجميل، ولو كانت قد صدرت في عهد النظام السابق، إلا أنها نظمت العمل وحمت المرضى.
يرى سامر أن إجراءات حقن الفيلر والبوتوكس وغيرها يجب أن تكون محصورة بالأطباء، نظراً لمعرفتهم بتشريح الأعضاء الدقيق وطرق الحقن الطبية ومناطق الحقن، ويبدي استهجانه من قيام فنيي تخدير أو ممرضين أو حتى مصففي شعر بمثل هذه الإجراءات: “ربما تعلموا طرق الحقن ولكن دون معرفة طبية، أي يعرفون أين يجب إجراء الحقن والكمية الواجب حقنها، وعدا عن ذلك لا يعرفون شيئاً، وهذا أخطر من قيامهم بالحقن”، يقول سامر.
وفقاً لمصدر في وزارة الصحة (رفض ذكر اسمه) يتبيّن أن عدداً كبيراً ممن يمارسون مهنة التجميل اللاجراحي اليوم لا يملك المؤهلات الكافية للعمل في مثل هذه الإجراءات. المصدر نفسه أوضح أن كثيراً من الشكاوى وردت سابقاً خلال فترة النظام السابق ما اضطر الوزارة لإصدار قرارات تمنع غير المؤهلين من العمل في هذا المجال، “لكن اليوم تلك القرارات غير معمول بها، ويجب أن تفعّل الوزارة القرارات السابقة أو تعيد إصدارها لتكون أكثر صرامة وحِدّة”. وبحسب المصدر فإن كثيراً من المراكز الطبية حصلت على رخص سابقاً ولكن ضمن مجالات محددة وبشكل نظامي، معتبراً أن “الوزارة أو مديريات الصحة لا تستطيع اليوم ملاحقة كل المراكز لتعرف إن كان من يمارس الإجراءات الطبية التجميلية مختص أو لا”.
في نفس السياق تقول ربا، وهي فتاة تعرّضت لمشاكل سابقة بسبب إجرائها للحقن في أحد المراكز، إنها ذهبت لمركز تجميل مشهور وافترضت حسب الدعاية التي تروّج للمركز عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن من يعمل هناك يمتلك خبرة كبيرة، لتتفاجأ لاحقاً بأنها حُقنت بمواد رديئة الجودة وبأن من أجرى لها الحقن كان صيدلانياً، إلا أنّه، وبحسب ربا، يعرّف عن نفسه كطبيب.
تحدثت شبكة الصحافة الحرة لأحد شركات الإعلان، والتي تحفّظت على استخدام اسمها في التقرير، حيث أوضح أحد العاملين في الشركة أن الطب في سوريا، وتحديداً التجميل، يعتمد على الدعاية والإعلان أكثر مما يعتمد على مهارة الطبيب نفسه. أما حول الطريقة التي يعتمدها ممارسو التجميل اللاجراحي في الترويج، فأوضح أن المركز يتعاقد مع شركة إعلانات أو أحد المؤثّرين/ات على مواقع التواصل الاجتماعي لاستغلال ثقة الجمهور بهم، عدا عن الخصومات التي تقدمها هذه المراكز لمتابعيهم.
يؤكد المصدر أن الصور والفيديوهات التي ينشرها بعض ممارسي التجميل اللاجراحي، أو حتى الجراحين أنفسهم، تخضع لتعديلات على برامج مثل الفوتوشوب، وكل ذلك يلعب دوراً في خداع المرضى، ذلك تكون الخدمة المقدمة أو النتائج في بعض الأحيان سيئة خلافاً لما تم الترويج له.
لميس، مختصة في علم النفس؛ ترى أن هوس البعض بعمليات التجميل يعود لعدة أسباب، من ضمنها الرغبة بالحصول على الشكل المثالي الذي يُرّوج له في الإعلام، وهو ما يتم استغلاله من قبل بعض ممارسي هذه المهنة ممن يرغبون في الحصول على ربح وفير وسريع من هذا الهوس.
