FPN – إبراهيم زرقه
بعد سقوط النظام السابق، وعدم إحراز تقدم كبير في ملف العدالة الانتقالية حتى الآن، انقسم الشارع السوري بين من يعتبر أن العلويين ساندوا عائلة الأسد بشكل كامل واستفادوا من وجوده، وبين من يرى أن الأسد استغل أبناء جلدته لتعزيز الطائفية في سوريا حتى يستمر في الحكم.
في حديث خاص مع شبكة الصحافة الحرة، اعتبر الشيخ محسن عبد الحميد، الذي يُعد من رجال الدين البارزين في منطقته، أن إسقاط النظام السوري “جاء متأخراً” لكنه كان حتمي الحدوث لأن بقاء الأمور على ما كانت عليه لم يكن مفيداً لأحد، لكن الظروف لم تسمح بحصوله قبل ذلك.
ويجد عبد الحميد، الذي ينحدر من قرية القطيلبية الواقعة في ريف مدينة جبلة باللاذقية ويحمل إجازة جامعية في العلوم الفلسفية، أن النظر للطائفة العلوية كأقلية غير صحيح، “فالعلويون مواطنون في سوريا، وقد كانوا على مر التاريخ وبعيداً عن حقبة الأسد أشخاصاً فاعلين في هذه البقعة الجغرافية واستطاعوا إثبات جدارتهم في كثير من المجالات، وحتى خلال فترة حكم الأسد من خرج من عباءة النظام أثبت نفسه بجدارة”.
من يركب الموجة؟
يعتبر عبد الحميد أن هناك أخطاء في تقييم رجال الدين، فبالنسبة له، يستطيع رجل الدين أن يكون سياسياً أو رجل اقتصاد، وأن يتواجد في أي مجال في حال فصل الدين عن عمله، ولكن التشويش الذي حصل لبعض رجال الدين وتحوّلهم لأبواق للسلطة وتبعيّتهم لجهات معينة تسبب في نفور المجتمع منهم، كما يقول.
وعن احتمالية أن يقابل وفد من العلويين القيادة الجديدة قريباً حسبما تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي، يقول: “ليس خاطئاً أن يُمثل رجل الدين العلوي في الوفد، ولكن يجب أن يتم انتقاء من هم قادرون علي تفضيل مصلحة الوطن على مصلحتهم الشخصية”.
ولكن، وبحسب عبد الحميد، بعضٌ ممن كانوا أداة بيد النظام السابق سارعوا لتصدر الواجهة لتغطية ما فعلوه سابقاً، موضحاً أنهم لايمثّلون الطائفة التي تحتوي على كثير من القامات العلمية، لافتاً إلى أن “زمن التسلّق قد ولّى ويجب أن يعي ذلك من يتصدّر الواجهة من العلويين وغيرهم”.

النظام السابق استغل الطائفة العلوية
لا يعتبر الشيخ محسن عبد الحميد أن العلويين وحدهم من تم استغلالهم من قبل النظام السابق، لكن العلويين كانت ظروفهم مواتية أكثر من غيرهم ليستغلّهم، فالفقر والجوع والحرمان والتغييب والتهميش جعل الطائفة جاهزة لتنطوي تحت حكم نظام الأسد، إذ “كانت المؤسسات العسكرية والأمنية الطريق الوحيد لقسم كبير من أبناء هذه الطائفة، في وقت قام رموز من الطائفة نفسها باستغلال الطائفة أكثر من غيرهم، وبشكل سلبي وبشع”.
وحول ما حصل بعد سقوط النظام، وتحديداً المظاهرات التي خرجت تنديداً بالاعتداء على مقام الخصيبي، أكد أنه في كل تغيير هنالك من يغتنم الفرص ويبقى متمسكاً بأحلامه ويسعى باستمرار لإثارة الفتن لضمان بقائه، ولكن هذه القصص لا تخدم حتى من أراد تكريسها لأنها ستنعكس سلباً على من يثيرها بالدرجة الأولى.
لكن أكد عبد الحميد أن لكل طائفة شعائر ورموز، والنيل منها نوع من التحريض وزرع الفتن ويخدم من يتبع لأجندات خارجية، مشدداً على ضرورة عدم التسرع في إطلاق الأحكام التي قد يندم عليها الجميع.
ويتابع: “العلويون معروفون بالطائفة الخصيبية نسبة للإمام الخصيبي، ومن حقهم الاعتراض، ولكن دون حصول أذية أو إساءة لأحد، فخلال 13 عاماً حصلت انتهاكات لكل المقدسات الدينية في سوريا، وكان الهدف من ذلك إثارة الفتن وتفريق الشعب السوري، ومن فعلها سابقاً يعيدها اليوم لنفس الأسباب”، مشيراً إلى أن العلويين لم يحركوا ساكناً لحرق قبر حافظ الأسد على سبيل المثال، لأنه لا يمثّل بالنسبة إليهم أي رمز أو مكانة دينية.
الجميع معني بدرء الفتنة
أبدى الشيخ عبد الحميد ثقته بوجود حكام وفئة واعية تبصر النتائج وعواقب الممارسات الخاطئة إن حصلت، ولذلك يرى أن شبح الحرب الأهلية بعيد ولكن يجب الحذر “لأن كثيرين يراهنون على حدوثها، وليس من مصلحة أحد أن تشتعل الحرب مجدداً فويلاتها ستصيب الجميع، وكل طرف اليوم معني بدرء الفتنة ومنعها من الحصول بالتروي وتحكيم العقل”.
ويضيف: “العودة للفعل ورد الفعل سيجلب مزيداً من الدم والدمار، ولا أحد يحبّذ العودة للماضي، ويجب على الجميع البدء بخطوة جديدة مقرونة بسلامة النوايا وصدقها”، لافتاً إلى أن “معظم العلويين اليوم خسروا بما فيه الكفاية ولا يرغبون في خسارات جديدة، دون تجاهل وجود قلة قليلة جداً ممن تستفيد من استمرار الحرب ضمن الطائفة العلوية نفسها، ومع غيرها من الطوائف”.
كذلك شدد عبد الحميد على موضوع العدالة الانتقالية وأهميتها لبناء سوريا الجديدة، مؤكداً أن السوريين قادرون على المضي قدماً، “فهذا الشعب يملك من الخبرات ما يكفي، ويجب تعزيز وتفعيل هذه القدرات واستثمارها، واستثمار كل الأفكار والمعارف والخبرات دون تجاوز لأي جهة، فكل سوري اليوم لديه واجب ودور وحقوق.
وبرأيه فإن “كل المطالب اليوم محقة لكن من الصعب حل كل القضايا العالقة خلال أشهر، وقد يكون يستغرق حلها عدة سنوات”، وطالب الجهات المعنية بأن تراعي مشاعر الناس وآلامها، “فالناس اليوم مكلومة ومتعبة”.
يذكر أن الشيخ محسن عبد الحميد خسر زوجته وابنته في التفجير الكبير الذي وقع في مدينة جبلة عام 2016، ويقول إنه في حال قابل من نفّذ التفجير فسوف يسامحه ويمدّ له يده، “لأننا في سوريا اليوم بحاجة لكي نتسامح ونضمد جراحنا”، موضحاً أن “عملية المحاسبة يجب أن تتم وفق ضوابط وآليات واضحة، وعبر لجان حقوقية حيادية لا تخضع لأي سلطة سوى سلطة القانون، كي تضمن العدالة لكل الأطراف في سوريا، ومن الضروري الاستماع للجميع وعدم التسرّع في إطلاق الأحكام فالجميع بحاجة للعدالة اليوم”.
