FPN – بشار يوسف
يبدو أنّ إعادة إحياء مسرح الغرفة في سوريا ما بعد الأسد لم تكن الخطوة الوحيدة التي أعادت الأخوين ملص إلى عام 2011، فقد آثرت وزارة الثقافة في الحكومة الانتقالية التخلي عن دورها المفترض كداعم، وقررت إيقاف العروض والورشات المسرحية التي كان من المفترض أن تستمرّ 45 يوماً وربما أكثر، كعِقابٍ لهما بعد “تجرّؤهما” على نقد السلطة.
بعد ساعات من حوار مفعم بآمال كبيرة في التغيير مع شبكة الصحافة الحرة، فوجئ الأخوان اليوم باتصال من وزارة الثقافة يبلغهما باستياء وزير الثقافة شخصياً من منشور على صفحتهما الشخصية في منصة “فيسبوك” عقب انتشار مقطع مصور يظهر قيام أفراد من الأمن العام بإعدام أحد المتطوعين في مشفى السويداء خلال الأحداث الأخيرة.
منشور الأخوين ملص رفض تبرير الجرائم وإهدار كرامات الناس، وطالب السلطة الانتقالية بتحمل مسؤولياتها، وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية اعترفت بصحة المقطع ووعدت بالكشف عن المتورطين في تلك الجريمة، إلا أن وزير الثقافة، محمد صالح، اعتبر أنه لا يحقّ للأخوين ملص انتقاد الحكومة، حتى في حال حدوث انتهاك، لمجرد أنهما نالا دعمها في وقت سابق.

أحمد ملص، أعرب في اتصال مع شبكة الصحافة الحرة عن استيائه الشديد، مشيراً إلى أنه أبلغ الجهة المتصلة أنّ دعم نشاطهما المسرحي لا يعني “شراء صمتهما”، وأنهما لن يتخلّيا عن مبادئهما لقاء ذلك، لا سيما وأنهما دفعا بالفعل 14 سنة من عمريهما كلاجئين بسبب تمسّكهما بتلك المبادئ، بعد أن تعرّضا للاعتقال والضرب لأجلها في بدايات الثورة السورية.
كل عار وأنتم بخير
بعد سقوط النظام السابق، سارع أحمد ومحمد ملص بالعودة من فرنسا بعد سنوات طويلة من الغياب، وعادا للعمل في مسرح الغرفة من خلال عرض “اللاجئان” الذي سبق وأن قدّماه في العديد من الدول، ونالا عنه جائزة أفضل ممثل في الأردن العام الفائت.

بعد ذلك أعدّا على عجل مسرحية أخرى تحمل اسم “كل عار وأنتم بخير”، وبعد عرضه في دمشق تلقّيا اتصالاً من وزير الثقافة ليعرض عليهما دعماً في حدود الإمكانات المتاحة، وبالفعل، قبل الأخوان بذلك دون وضع شروط تعجيزية، وقدّما عرضهما في كل من دمشق وحلب وطرطوس واللاذقية، إلى جانب إقامة ورشات عمل مدّتها ثلاثة أيّام في كلّ مرة.
يذكر محمد في معرض حديثه أنهما كانا يعلمان قبل عودتهما إلى سوريا أن الوضع لن يكون مثالياً، فقد تعرّصت المسارح، كغيرها من الأماكن، للإهمال والتخريب في عهد النظام السابق: “بعض المسارح بات في حال يرثى لها.. المقاعد مهترئة، وبعضها الآخر يفتقد للكهرباء، وحتى مع تشغيل المولّدات يصعب تشغييل التكييف..”، يوضح محمد، ويردف: “منذ البداية وخلال اجتماعنا مع وزارة الثقافة لم نضع شروطاً كثيرة لأننا كنا نرغب في إجراء العروض والورشات في هذه الفترة وعدم تأجيلها، وهذا تطلّب منا بذل جهدٍ أكبر”.
قرار إيقاف العروض والورشات اليوم ليس الأول، يوضح أحمد، ففي وقت سابق وبعد عرض المسرحية في مدينة حلب، حصل خلاف مع مسؤول الثقافة هناك، ليتم توقيف العرض مؤقتاً، وبعد نقاشات مع المسؤولين في الوزارة تم التراجع عن القرار، ويضيف أحمد في هذا الصدد: “لم يطلبوا منا حذف أي جملة، ونحن نرفض ذلك، بل على العكس؛ في كل مرة نعرض فيها المسرحية نضيف إليها بحسب مجربات الأحداث”، ويؤكد على أنهما سيظلان مخلصيَين للنص وللحدث السوري على حدٍّ سواء، معرباً عن أمله في أن ينطبق ذات الأمر على كل الأعمال المسرحية الأخرى.

اليوم أصبح مصير عرض المسرحية وإجراء الورشات المرافقة لها مجهولاً، إذ كان من المنتظر أن ينتقل الأخوان ملص طرطوس وحمص وسلمية وحلب وإدلب، قبل الذهاب إلى الأردن للمشاركة في مهرجان “مسرح الرحالة الدولي”.
المسرح كأداة مقاومة ووسيلة بقاء
حول ردود الأفعال التي لمساها بعد العروض وخلال ورشات العمل التي شارك فيها نحو 75 شخصاً من الجنسين، يقول محمد ملص: “لمسنا حالة من التعطّش للمسرح عند الناس، فلقد وجدنا أشخاصاً مشتاقين لحالة مسرحية مختلفة وكأنهم كانوا محرومين منها، وكأن لسان حالهم يقول إننا هنا كي نثبت أننا قادرون على العيش في دولة مدنية تحتوي على أنشطة فنية”، ويضيف بكثيرٍ من الرضا: “تفاعل الجمهور مع المسرح وتقبّلهم له فاق توقّعاتنا، وكأن هناك رهان على الوعي عن طريق المسرح، سواء من قبل الممثلين أم الحضور”.
من جهته يستشهد أحمد ملص على ذلك بتعليق للمسرحي علي صقر، الذي اعتبر في حديث خاص معهما أنه واثق من أن 75 شخصاً لن يرفعوا السلاح ضد بعضهم بعد اليوم، ثم يؤكد أحمد: نحن أبناء ثورة 2011 نريد أن نقول إننا على قيد الحياة، لم ننتهِ بعد، ولا نزال مخلصين لشعارات الثورة الأولى -الشعب السوري واحد والشعب السوري ما بينذل”، ويفسّر الأخوان ملص ذلك بأن ما يفعلانه الآن هو أهم من كل شيء قدموه في مسيرتهم المهنية، مبررين ذلك بما رأوه من تغيير في عيون الشباب في غضون مدة قصيرة.

هذا ولم يسلم الأخوان ملص من النقد بسبب عملهما في الداخل السوري حالياً وبالتعاون مع وزارة الثقافة، لكنهما يصرّان أنهما على يقين أن مكانهما الآن يجب أن يكون في الداخل، للعمل مع ومن أجل السوريين. عن ذلك يضيف أحمد: “أعتقد أن دور الفنان في هذه المرحلة يتلخّص في العمل بعيداً عن البحث عن النجاح والشهرة، لأنها ببساطة مرحلة حساسة في إعادة بناء سوريا، على الرغم من معرفتي بالمشاكل المتعلقة بالتمويل والإنتاج.. في نظري هذا يجب أن يكون منطق الفنان الذي يمتلك مشروعاً فكرياً أو وجهة نظر يرغب في طرحها بعيداً عن الحالة الاستهلاكية”.
تعقيباً على ذلك، يعلّق محمد: “كلنا في سوريا نحتاج اليوم إلى أن نكون أوعى بعد أن عشنا جميعاً في ظل نظام حارب الوعي، ورأينا نتائج ذلك مؤخراً.. رأينا كيف تسبب تسجيل صوتي مفبرك بقتل العشرات، وكيف يتم اتهام طائفة كاملة بالعمالة، وطائفة أخرى بالإرهاب”، ويردف أحمد استكمالاً لهذه النقطة: “نحتاج إلى العمل على تأسيس الوعي، ولنبدأ مع الأطفال، فالمسرح يمنح الطفل مخزوناً تراكمياً من القدرة على التفكير والنقاش والنقد”، قم يختم بالقول: “في بلادنا نظن أن الفن رفاهية، لكني أجادل بأنه لا يقلّ أهمية عن لقمة العيش والكرامة، فلنجرب في سوريا أن ندعم الفن كضرورة مجتمعية، وأنا مستعد للمراهنة على النتائج التي سنراها خلال خمس سنوات فقط”.

1 أفكار حول “مسرح الأخوين ملص: التمسك بمبادئ الثورة في مواجهة العنف ”