FPN – ليلى جروج
تأثّر الفن في سوريا خلال السنوات السابقة بمغادرة عدد ليس بقليل من الفنانين/ات البلاد نتيجة لتداعيات الحرب من جهة، والقيود التي كانت مفروضة عليهم من قبل النظام السابق من جهة أخرى، وقد كان للرسم والفن التشكيليّ حصة كبيرة من الخسارة.
بين من سافر ومن بقي، وُلد جيل جديد من الفنانين/ات، ممن عاشوا بعضاً من الطفولة، واختاروا الفن سبيلاً لنقل تجاربهم ومواجهة مشاعرهم على أمل فهمها بعد كل ما شوّهته الحرب. منهم الفنانة مرح كردي، التي تختبر تجربة البقاء، ليس فقط في سوريا، بل في مدينة حلب، كتجربة للعمل الفني بعيداً عن العاصمة دمشق، ومحاولات متعددة للإجابة -عبر لوحاتها- على مجموعة من الأسئلة التي تطوّرت من الشخصيّ إلى المحلّي، ومن انعكاس مشاعرها الخاصة، إلى نقل مشاعر الآخرين وأفكارهم.
البدايات وصقل الموهبة بالعلم
تخرّجت مرح كردي من كلية الفنون الجميلة، وشاركت مع مجموعة من فنانات وفناني مدينة حلب في العديد من المعارض والمشاريع الفنية، كان آخرها مشروع “طريق 2” الذي تنقّل بين محافظات دمشق وحمص وحلب وإدلب، مع مشروعي “مدد” في دمشق و”باي ديفولت” في حلب.
درست مرح بدايةً في قسم التصميم الداخلي والديكور، الذي تقول عنه: “عملت وتعلّمت من هذا المجال الكثير، وقدّمت له الكثير، إلى أن تلقيت الدعوة الأولى من مشروع “باي ديفولت” الثقافي في حلب ومن، هنا بدأت فصلاً جديداً من الحكاية”.
ترفض مرح تطبيق سردية “موهبة الطفولة” على قصتها، فتقول لشبكة الصحافة الحرة: “لا أستطيع أن أقول إنني فنانة منذ الصغر، كنت أرسم كالجميع ونسيت ما رسمته، لكن بعد دخول كلية الفنون الجميلة، وجدت رسمةً قديمةً لي، وكأنني رسمتها وأنا بكامل وعيي الفني، لأني اعتمدت ذات الأسلوب”.
سبع سنواتٍ مضت على بداية الرحلة الفنية، وسنتان على بداية الإنتاج وبيع اللوحات الفنية، سعت كردي خلالها إلى عكس المشاعر على لوحات تلامس قلوب الناس قبل عيونهم، تقول: “خلال رحلتي حاولت كشف قدرتي على دمج الألوان، وقدرتي على الوصول إلى مشاعر الآخرين عبر الألوان، وأعتقد أنني وصلت”.
كما خلقت المشاركة في معارض متعددة لكردي بصمة خاصة وطريقة فنية متميزة، تقول: “امتلكت شخصية فنية، باتت مألوفة لعين كل زائر إلى المعارض”.

من GEN Z إلى مَن يُحرّك مَن
تُشكّل الحياة العادية من بيوت وناس وأزقة أحد أشكال الإلهام لكردي، “تجبرني بيوتنا الدافئة بامتنان على تحويلها إلى أفكار ومنها إلى ألوان”، توضح كردي. لكن؛ لا يمكن تجاهل ما أثارته الحرب خلال السنوات السابقة، وما غيّرته في حياتها بشكل خاص، وحياة ملايين السوريين. عاشت كردي صراعات داخلية، بالإضافة إلى القلق والخوف اللذين تجسّدا عبر لوحاتها مع مجموعة كبيرة من المشاعر السلبية، وكان المعرض الأول: “معرض GEN Z مع مشروع “باي ديفولت” في حلب كان لتفريغ المشاعر السلبية التي سيطرت علينا- نحن جيل الحرب- ممتنة لهذا المعرض نفسياً ومهنياً”، تقول كردي.
بعد Gen z كان لكردي مجموعة معارض مع مشروع “باي ديفولت” في حلب منها: حصل خير، لحظة، نهار مدينة، إلى ما ننتمي، يوم الموسيقى العالمي، وصولاً إلى معرض “طريق 2 “، الذي يتميّز بتقديم الفن في الفراغ، بحسب مرح، التي تصفه بالفن المادي الملموس القريب من الناس.
يركّز عمل “من يحرّك من” بما تصفه كردي بلعبة الحياة، “نحن موجودون على رقعة شطرنج لا ملك فيها، فوجود الجنود فقط يخلق مساحةً من الشك عند الزائر”.
تحاول مرح عبر هذا العمل خلق حالة من الشكّ حول أسئلة متعددة تشبه الناس، ليس كأفراد يعيشون تحت تأثير السلطة، بل كذوات يعاد إنتاجها دون أن تدري، “من الذي يختار؟ من الذي يتحكّم؟ ومن يذوب بصمت؟ كل جندي في الرقعة قد يكون أنا، وقد يكون أنت، مرفوعاً أو مُعلّقاً أو في طريقه إلى الذوبان.. أردت لهذه الرقعة أن تكون ساحة صراع داخلية، أكثر من لعبة خارجية”.

الفن السوري والحلبي اليوم
ترى كردي أن الفن في مدينة حلب يسير بخطى ثابتة نحو استعادة أوج الثقافة فيها، بحيث تعود المدينة إلى استقبال أو صناعة أحداث فنية بشكل أسبوعيّ، مع تركيز إعلاميّ من الجهات المحليّة في المحافظة، وحضور رسميّ خجول نسبياً. “حضور الجهات الرسمية يصنع فرقاً، وهو هام جداً بالنسبة لنا”، توضح كردي وتردف: “إن الوصول إلى معاينة الوعي الذي يشكله الفن للمجتمع اليوم سيتطلب وقتاً، لكن الناس يعاينون ويرون أن الفن بمختلف أشكاله يتمحوّر حول معاناتهم”، من جهة أخرى هناك إصرار واضح من قبل المشاريع الفنية- في حلب على الأقل- على النهوض بالفن بمختلف أشكاله، والحفاظ عليه، “أعتقد أن هذا الأمر سينعكس على جميع العاملين في المجال الفنيّ في سوريا من خلال تشكيل حافز لدى الجميع للحفاظ على الفن”.
من الناحية الشخصية؛ اعتمدت كردي سابقاً على ما تصفه برمزيات تعبّر عن دور السلطة السابقة في الوضع المعيشي المتردّي في سوريا، دون التطرّق إلى المشاكل العميقة، “نقدّم المشاكل اليوم بشكل واضح بدون الحاجة إلى الرموز المخفية”، بالإضافة إلى القدرة اليوم على الانفتاح على الفنانين السوريين في الخارج، والاطلاع على الأعمال الفنية التي قُدّمت من قبلهم لمحاكاة السنوات السابقة.
“أرى أن الفن رسالة، ونحن -عبر المعارض- نعمل على إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وأتمنى مستقبلاً أن يعود الفن السوري إلى زمن الازدهار”. كما تحمل كردي رسائل السوريين جميعاً من الداخل إلى الخارج ضمن حقيبة أمانيها، ولا ترى أن تحقيق هذه الأماني بعيد بوجود شباب طموح، على درجة عالية من الوعي والإدراك لأهمية الفن السوري، وعن أحلامها الشخصية تقول كردي: “أتمنى أن تجول لوحاتي التي تحمل رسائل البلاد حول العالم، وأن تصل إلى العالم أجمع”.
