FPN – ليلى جروج
في ظل التغييرات التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول من العام الفائت، وتشكيل الحكومة الانتقالية نهاية آذار المنصرم، يتطلّع ذوو الاحتياجات الخاصة إلى تغييرات تشمل أوضاعهم أيضاً.
لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع السوريّ حالياً، إذ تعتمد المنظمات الإنسانيّة في تقاريرها الدوريّة على تقرير برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية (HNAP) في سوريا عام 2021 الذي أشار إلى أن 28% من السوريين في الداخل من ’’ذوي الإعاقة’’، وتشمل هذه النسبة الإعاقات الذهنية والنفسية والتي نجم معظمها عن الإصابة الجسدية أو نتجت عن ظروف الحرب.
المواقف والإجراءات الرسميّة
التقت وزيرة الشؤون الاجتماعيّة والعمل في الحكومة المؤقتة، هند قبوات، نهاية نيسان الماضي مجموعة ’’الحراك السوري لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة’’ في مقر الوزارة بدمشق، وخلال اللقاء، حسب حساب الحراك على منصة فيسبوك، تم تسليم ملف يتضمّن العديد من المطالب المتعلّقة بقضية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا، يحتوي على توصيات عمليّة تساعد الحكومة على تلبية وتنفيذ هذه المطالب، ومن هذه المطالب ما يتعلّق بقضايا الصحة والتعليم والعمل والحماية الاجتماعية والحق في التمثيل والمشاركة السياسية على المستويين التشريعي والتنفيذي.
كما أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في منتصف آذار الماضي منصة الإحصاء لتحديد الفئات الضعيفة وذوي الاحتياجات الخاصة، ونقلت وكالة سانا للأنباء عن الوزارة أن المنصة تتيح إحصاء العوائل وتسجيل الاحتياجات اللازمة لهم.
من جهة أُخرى؛ أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية شمال شرق سوريا نهاية نيسان الفائت عن صياغة قانون مختص بذوي الاحتياجات الخاصة، حيث عقدت هيئة الشؤون الاجتماعية والكادحين اجتماعاً مع الرئاسات المشتركة لهيئات الشؤون الاجتماعية والكادحين في المقاطعات، جاء في مخرجاته أيضاً تفعيل مكاتب التشغيل في كافة هيئات الشؤون الاجتماعية والكادحين في مقاطعات إقليم شمال وشرق سوريا.
في السياق ذاته؛ كانت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا قد أعلنت في أيلولمن العام الماضي عن توحيد بطاقات ذوي الاحتياجات الخاصة في المقاطعات، كما تم الإعلان عن توحيد نظام العمل لمكاتب ذوي الاحتياجات الخاصة مما يسهم في تثبيت قاعدة البيانات وتسهيل العمل وذلك بالتعاون مع هيئات الصحة.
الجدير بالذكر أن رئيس النظام السابق، بشار الأسد، أصدر مرسوماً تشريعياً في تموز من العام الماضي يتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتزامات الجهات العامة والخاصة تجاههم، حيث يهدف المرسوم بحسب وكالة سانا إلى حماية الأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان الدمج الشامل لهم في المجتمع ويحدد دور مختلف الجهات في تلبية احتياجاتهم التعليمية والصحية والتأهيل المهني وفرص العمل، والحماية الاجتماعية وتوفير البنى التحتية المناسبة لهم.
كما أقرّ مجلس الوزراء في حكومة النظام السابق التعليمات التنفيذيّة للمرسوم في الخامس من تشرين الثاني من العام ذاته، أي قبل شهر تقريباً من سقوط نظام الأسد، ما ترك الأمور مُعلّقة بشكل مُبهم حول فعالية هذا المرسوم، وآلية تطبيقه.
الخدمات الفعليّة
ترى رندة جراد (54 عاماً)، وهي والدة لأحد ذوي الاحتياجات الخاصة ومقدمة الرعاية لها، أن الخدمات الفعليّة المُقدمة من قبل الحكومة السورية السابقة لذوي الاحتياجات اقتصرت على تقديم دائرة الشؤون الاجتماعيّة هويّة شخصية (بطاقة معاق)، بالإضافة إلى راتب يُقدم سنوياً وفق شروط محددة لاستحقاقه، تقول جراد لشبكة الصحافة الحرة: “المبلغ المُقدّم زهيد جداً، لا يغطّي أي شيء من الحاجات المتعددة لذوي الاحتياجات، لأنهم يحتاجون إلى خدمات مختلفة مثل العلاج الفيزيائي، والأدوية، والمتابعة النفسيّة، بالإضافة إلى التعلّم بطريقة معيّنة، والتنقلات والحركة”.
تكمل جراد حول الخدمات الأخرى المُقدّمة: “حسب معرفتي فقد صدر عن زوجة رئيس النظام السابق، أسماء الأخرس، قرار يقضي بحصول ذوي الاحتياجات الخاصة على نسبة 4% من الوظائف الحكومية”، وعن تطبيق هذا القرار تقول جراد: “أعلم أن هذا القرار تم تطبيقه، لكن الحصول عليه ليس بالسهل، فالأمر يتطلب تدخل المحسوبيات (واسطة)، ويحتاج إلى دفع مبالغ كبيرة للحصول على الوظيفة”.
أما عن المرسوم الذي أصدره الأسد خلال العام الماضي، فتوضح جراد: “على الرغم من متابعتي الدائمة لكل ما يخص ذوي الاحتياجات، إلا أنني لم أسمع عن إصدار هذا المرسوم حتى”، وتعزو جراد هذا الأمر إلى الإهمال الذي يطال ذوي الاحتياجات في مختلف الجوانب، وليس الجانب الإعلامي فقط.
التحديات الاجتماعيّة والرسميّة
أشارت جراد في السياق ذاته أن الحرب شكلّت تحديّاً كبيراً بالنسبة لحالة ابنتها، إذ تقول: “قبل الحرب والخروج من حلب، ارتادت ابنتي مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة، وكان تطوّرها ملحوظاً، حيث راسلتني المدرسة من أجل نقلها إلى مدرسة أُخرى لتبدأ بعملية الدمج، كما أبدت تفاعلاً مع تعلّم اللغات، وتمت متابعة حالتها بالعلاج الفيزيائي اللازم، لكن مع بداية الحرب، باتت الأولوية حمايتها من القذائف وتأمين معيشة مناسبة لها”.
من جهتها، تعتبر اختصاصية تنمية القدرات لذوي الاحتياجات الخاصة، جينا نجار (38 عاماً)، أن عدم توفر مراكز خاصة للرعاية والدمج يعيق معرفة ذوي الاحتياجات بحقوقهم وتطبيق القوانين والمراسيم التي تصدر عن الدولة. تردف نجار في حديث لشبكة الصحافة الحرة: “إن وُجدت هذه المراكز فهي ضمن مراكز المدن ما يجعل وصول كافة الأشخاص من ذوي الاحتياجات إليها صعباً جداً ومكلفاً بسبب عدم توفر المواصلات”.
كما تجد نجار أن عدم وجود ثقافة حقيقية تخصّ ذوي الاحتياجات، حتى من قبل الأشخاص أنفسهم وذويهم بالدرجة الأولى، يعيق دمجهم ضمن المجتمع من جهة، وحصولهم على حقوقهم كاملة من جهة ثانية، تضيف نجار: “أفضل فترة لذوي الاحتياجات في سوريا كانت فترة عمل المنظمات وبرامجها، لكن السيء أن البرامج لا تتسم بالاستمرارية بل هي لفترة قصيرة ومحددة، ما يجعل البعض يهتم بالتحصيل الماديّ فقط، دون الاهتمام بالدعم النفسيّ وتعديل السلوك”.
نظرة مستقبليّة
تشدد نجار على أن التوعيّة أساسيّة في بناء مجتمع سليم يجيد التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ويمهّد لهم الطريق للاندماج المجتمعيّ بشكل سليم، تقول: “من الممكن نشر هذه الثقافة بشكل تدريجيّ من خلال نشر التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجلسات التوعية الخاصة بالمنظمات والجمعيات الأهلية، وتضمين دروس حول ذوي الاحتياجات الخاصة في المناهج التعليمية”.
من جهة ثانية تجد نجار أن تفعيل القوانين الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وتطبيقها بشكل عمليّ على أرض الواقع، مع ضمان التزام جميع المواطنين باحترامها، قد يفتح الباب أمام المرحلة التالية التي تتضمن إعداد مراكز رعاية خاصة ومراكز دمج، وتأهيل كوادر اختصاصيّة بمختلف المجالات، وتضمين المرافق العامة والخاصة ووسائل النقل بكل ما يلزم.
أما رندة جراد فقد ختمت حديثها لشبكة الصحافة الحرة بالقول: “أتمنى أن تتجاوز الأجيال القادمة عقدة التعامل مع شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ربما لن أتمكن من رؤية هذا الشيء مُحققاً بشكل كامل على أرض الواقع اليوم، لكن ما أتمناه هو عدم تكرر معاناتي مع أشخاص آخرين، لذلك يجب أن نتساعد معاً ونعمل بكل طاقاتنا لدمجهم وتأمين حقوقهم بشكل كامل، وتأمين حياة كريمة لهم”.
