FPN – نور سليمان
على الرغم من تأكيد مخرجات “مؤتمر السويداء العام إلى سورية الواحدة الموحدة” على وحدة سوريا، والعمل مع السوريين لبناء دولة المواطنة والعدالة، إلا أن البيان الختامي للمؤتمر لم يسلم من النقد، لا من حيث مضمونه السياسي العام، ولا من ناحية تعامله مع الواقع التفصيلي في المحافظة، حيث وصفه نشطاء وخبراء قانونيون بأنه “بيان إنشائي فضفاض، يكرر ذاته، دون أي خطة عمل أو جرأة سياسية حقيقية”.
التمثيل وحده لا يكفي
استمرت أعمال المؤتمر يوماً كاملاً، أتيحت فيه الفرصة لجميع المشاركين لطرح آرائهم في أجواء منظمة. كما عُقدت ورش عمل متخصصة أفضت إلى مخرجات قيد الصياغة النهائية، يفترض أن تعكس ما تم التوافق عليه من توجهات وأفكار.
كذلك تم تشكيل هيئة عامة جديدة تضم ممثلين عن مختلف المكونات الدينية والسياسية والاجتماعية في السويداء، مع تمثيل ملحوظ للنساء والشباب، وأكد منظمو المؤتمر على علنية الأعمال وشفافيتها، مع تأكيد أن طريق السويداء إلى بناء الدولة الحديثة لا يمكن أن يمر إلا عبر دمشق.
المخرجات والمواقف الرسمية
كان المؤتمر قد شدد في بيانه على أن شكل الدولة ونظام الحكم السياسي (مركزي أو لا مركزي) يجب أن يقرره السوريون من خلال جمعية تأسيسية أو برلمان منتخب، ورأى بعض المشاركين أن تطبيق قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011 بعد تعديله، قد يكون “حلاً مؤقتاً”.
كما دعت المخرجات إلى تفعيل الضابطة العدلية، وضبط السلاح المنفلت، وتطبيق اتفاق الأول من أيار 2025 بدعم من الفصائل الثورية، وفتح قنوات تواصل مع السلطة الانتقالية لحل قضايا المحافظة، إضافةً إلى تعزيز الحوار مع درعا وريف دمشق لتعزيز السلم الأهلي.
المخرجات تفتقر للرؤية وتغفل الواقع
في منشور مطوّل على فيسبوك، انتقد المحامي المستقل أيمن شيب الدين مخرجات المؤتمر، مؤكدًا غياب أي دليل عملي لتنظيم العلاقة بين المركز والسويداء إدارياً وخدمياً وقانونياً، ومشيراً إلى أن الولاء السياسي حق فردي لا يجوز التفويض به.
كما انتقد تَجنُّبَ الخوض الواضح في مسألة اللامركزية، معتبراً أنها ليست خطراً كما يُروَّج له، بل خطوة أساسية نحو تكريس الديمقراطية المحلية، وطالب الأمانة العامة بعدم تجاهل الرأي العام في المحافظة، وختم بالتنبيه إلى خطأ توصيف الحكومة الحالية بـ”المؤقتة”، مؤكدًا أنها حكومة انتقالية، والتمييز بين المصطلحين أمر جوهري.
وفي تصريح خاص لـ”شبكة الصحافة الحرة”، أشار المحامي أيمن شيب الدين، إلى أن المؤتمر تجاهل مسائل تفصيلية تمسّ الواقع اليومي في المحافظة، موضحاً أن نحو 2600 عنصر من الشرطة في السويداء ما زالوا على رأس عملهم، لكنهم بلا سيارات، أو محروقات، أو أوراق رسمية، أو أختام، ويعانون من انعدام الدعم اللوجستي، فيما لم يتقاضَ معظمهم رواتبهم منذ أكثر من 50 يوماً، وتساءل شيب الدين: “كيف يُطلب من هؤلاء فرض الأمن أو تفعيل الضابطة العدلية؟ مؤكداً أن السجن المدني في السويداء مدمّر ويحتاج إلى تأهيل عاجل، وكذلك أغلب المخافر”، وشدّد على أن تفعيل الضابطة العدلية يتطلب أولاً ضبط حمل السلاح، والتزام الفصائل بعدم إظهاره، وتأكيد أن استخدامه هو من اختصاص الضابطة العدلية ووفق القانون.
سقف تفاوضي منخفض
في تعليق مطوّل نشره على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، وصف الصحفي والباحث، مازن عزي، مخرجات المؤتمر العام في السويداء بأنها مجرد بيان سياسي يُعبّر عن أصحابه، ولا تصلح حتى كورقة أولية لأي مفاوضات داخلية محتملة في المحافظة.
عزي انتقد ما اعتبره تكراراً للتجربة نفسها بالأدوات والأساليب ذاتها، متسائلاً عن جدوى توقّع نتائج مختلفة من خلال نفس الشعارات والخطابات الفارغة، سواء في الساحة أو في الخطاب الإعلامي أو حتى في منشورات وسائل التواصل.
كما أضاف أن الوثيقة، إذا كانت تمثل سقفاً للتفاوض مع الإدارة الانتقالية، فهي “كارثة جديدة” يقودها من وصفهم بأصحاب “نظرية المعبر إلى دمشق”، معتبراً أنها، إلى جانب ضعف مضمونها السياسي، لا تملك أي وزن تفاوضي حقيقي، ويمكن لأي رائد طليعي أن يرددها عن ظهر قلب.
يبدو أن “مؤتمر السويداء العام” أعاد إنتاج خطاب وطني كلاسيكي بلا أدوات تنفيذ، وسط واقع أمني متأزم، وتوقعات محلية بمواقف أكثر جرأة وتفصيلاً، وبينما لا يُشكّك المنتقدون في أهمية جمع المكونات المجتمعية، فإنهم يُجمعون على أن المطلوب اليوم هو خطاب سياسي ناضج، ومقاربة عملية جادة، لا مجرد تكرار مُتعب لبيانات سابقة.
