FPN – نور سليمان
تحوّلت مدينة كوباني (عين العرب)، الواقعة على الحدود السورية التركية، إلى رمز للصمود في وجه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). بدأت المعركة في 16 أيلول/سبتمبر 2014، واستمرت حتى 26 كانون الثاني/يناير 2015، عندما تمكّنت وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، من تحرير المدينة بالكامل. شكّلت هذه المعركة أول هزيمة كبيرة لداعش في سوريا، وأظهرت أهمية التعاون الدولي والمحلي في مواجهة الإرهاب.
الهجوم الأول على كوباني
في 16 أيلول/سبتمبر 2014، شنّ تنظيم داعش هجوماً واسعاً على مدينة كوباني، مستهدفاً المدينة من ثلاثة محاور: الشرق، الغرب، والجنوب. استخدم التنظيم أسلحة ثقيلة مثل الدبابات والمدفعية، بالإضافة إلى السيارات المفخخة والهجمات الانتحارية. تمكّن مسلحو داعش من السيطرة على نحو 350 قرية محيطة بالمدينة في غضون أيام، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين وتسبّب في نزوح أكثر من 200 ألف مدني إلى الحدود التركية.
بحسب رويترز، كان الهدف الأساسي لداعش هو السيطرة على كوباني بسبب موقعها الاستراتيجي على الحدود التركية، ما كان سيسمح للتنظيم بتوسيع نفوذه، وتحقيق تقدم لوجستي في نقل المقاتلين والإمدادات.
المقاومة الكردية
رغم الحصار والهجوم المكثّف، أبدت وحدات حماية الشعب الكردية مقاومة شرسة، معتمدة على تكتيكات حرب الشوارع. استهدفت القوات الكردية نقاط ضعف التنظيم في المناطق المفتوحة، وركّزت على تقليل تأثير الأسلحة الثقيلة التي استخدمها داعش.
وفقًا لتقرير صادر عن BBC، عانت القوات الكردية من نقص حاد في الذخيرة والأسلحة الثقيلة، لكن صمودها كان لافتاً، واعتُبر علامة فارقة في المعركة ضد التنظيم.
التدخل الدولي ودور قوات البيشمركة
مع اشتداد وتيرة المعارك، تدخّل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بشكل فعّال لدعم القوات الكردية. بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2014، نفّذ التحالف أكثر من 150 غارة جوية استهدفت مواقع داعش حول كوباني، ودمّرت العديد من الدبابات والمركبات العسكرية، كما أضعفت خطوط إمداد التنظيم.
بحسب CNN، كانت الغارات الجوية أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في وقف تقدم داعش ومنعه من السيطرة الكاملة على المدينة.
في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2014، دخلت قوات البيشمركة الكردية العراقية إلى كوباني عبر الأراضي التركية، مصطحبة معها أسلحة ثقيلة شملت مدافع الهاون وقاذفات الصواريخ.
لعبت قوات البيشمركة دوراً كبيراً في تعزيز قدرات وحدات حماية الشعب. وفقاً لتقرير صادر عن وكالة الصحافة الفرنسية، قدّمت البيشمركة دعماً لوجستياً، بالإضافة إلى مشاركتها في القتال المباشر ضد التنظيم، ما قلب موازين القوى لصالح القوات الكردية والتحالف الدولي.
سيطرة داعش المؤقتة والمعارك داخل المدينة
بحلول تشرين الثاني/نوفمبر 2014، تمكّن تنظيم داعش من السيطرة على حوالي 40% من كوباني، بما في ذلك الأحياء الجنوبية والشرقية. استخدم التنظيم الأنفاق والسيارات المفخخة، بالإضافة إلى هجمات ليلية، لتحقيق مكاسب إضافية داخل المدينة.
بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، حاول التنظيم فرض حصار كامل على القوات الكردية داخل المدينة، لكنه فشل بسبب استمرار الدعم الجوي المكثف من التحالف، وتدفق تعزيزات البيشمركة.
الهجوم المضاد والتحرير الكامل
في كانون الأول/ديسمبر 2014، شنت وحدات حماية الشعب الكردية هجوماً مضاداً بالتنسيق مع قوات البيشمركة بغطاء جوي من التحالف الدولي. استعادت القوات الكردية مواقع استراتيجية في المدينة، ما دفع التنظيم إلى التراجع والانسحاب تدريجياً.
بحلول 26 كانون الثاني/يناير 2015، أعلنت وحدات حماية الشعب تحرير مدينة كوباني بالكامل. وفقًا لتقرير فرانس برس، أسفرت المعارك عن مقتل أكثر من 1,000 عنصر من داعش، وتدمير العديد من مراكزه اللوجستية والعسكرية.
التداعيات والدمار
رغم الانتصار، تعرّضت مدينة كوباني لدمار واسع النطاق. وفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية الصادر عن الأمم المتحدة، تعرّض أكثر من 70% من المدينة للدمار الكامل أو الجزئي. وأسفرت المعركة عن مقتل آلاف المدنيين والمقاتلين من الجانبين.
مهّد تحرير كوباني من داعش إلى تشكيل ما بات يُعرف بقوات سوريا الديمقراطية، والتي لعبت دوراً رئيسياً في القضاء على التنظيم ودحره من المناطق التي كان يسيطر عليها في الحسكة والرقة ودير الزور، وهي المناطق التي ما تزال تُعرف بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
تهديدات تركية ومعارك جديدة
بعد مرور عشر سنوات على تحرير كوباني، تجددت المعارك في محيط المدينة في محاولة من فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا للسيطرة على المدينة ما دفع التحالف الدولي للتدخل في محاولة لإيجاد حل سياسي للأزمة.
قوات سوريا الديمقراطية أصدرت بدورها صباح اليوم بياناً حذّرت فيه تركيا من شنّ هجوم على المدينة، مؤكدة أنها ستخوض مقاومة أقوى من تلك التي خاضتها ضد داعش، وأشار البيان إلى تعرض كوباني ومنبج لهجمات متواصلة من الجيش التركي وفصائل الجيش الوطني المدعومة من أنقرة، مشابهة لتلك التي نفذها داعش. أسفرت الاشتباكات الأخيرة عن مقتل العشرات من الطرفين، وسط محاولات أمريكية لإيجاد حل سياسي للأزمة.
