1 أفكار حول “صورتان سورياليتان من احتفالات نوروز السوريّة

  1. يا دلير،
    كلّ ما وصفته لا يشبه احتفالًا، بل يشبه النهوض من نومٍ جماعيٍّ طويل، كأننا كنا نحلم في سريرٍ واحد تتدلّى من فوقه صور حافظ وبشار وصلاح الدين وأمهات الجنود والمستعربين وبلاغات الجيش العقائدي، فاستيقظنا ذات نوروزٍ ووجدنا أنفسنا نرقص مع من كنا نخاف أن نحبّهم، أو نخجل أن نعترف بجميلهم، أو نتلعثم بأسمائهم في الساحات المزوّرة؛ نوروز هذا العام ليس زهرًا فقط، بل اعتراف متأخّر على لسان بلدٍ يتعلّم للمرة الأولى كيف يعتذر. الجنود الذين يرقصون على صوت جوان حاجو لا يعرفون أنهم يرقصون على عظام سنواتٍ من المنع، لا يعرفون أنهم يعزفون بأصابعهم على أسلحتهم لا موسيقى كردية بل لحنًا كان يُعذَّب في أقبية المخابرات حين كان يُهمَس بالكردية بين طفلين. هل هذه مصالحة؟ لا أدري. لكنّها لحظة سقوط خفيف في قلب الوحش، لحظة نادرة تسقط فيها هوية القامع من على كتفيه فيكتشف كتفاه أنهما من لحمٍ مثلنا.

    وسميح؟ سميح، صديقنا في الخسارات الجماعية، نبيّنا الذي لم يُعلن نبوّته، لم يكن يغني في تلك اللحظة أمام صورة آبو… بل كان يغني خلفَ صورنا القديمة نحن، حين كنا نكره كرديًا لأنّنا عُرّبنا قبل أن نُعْرَف. الأغاني نفسها، يا دلير، لا تعرف السياسة، كما لا تعرف الزنزانةُ الفرق بين كرديٍّ وعربيٍّ حين يُجلَد الاثنان بنفس السياط.
    وحين قالوا: “بجي سروك آبو”، ما كانوا يحيّون صورة، بل كانوا ينتقمون من نظامٍ طمس أسماء موتاهم، ومن ثورةٍ لم تكتب أسماء شهدائهم، ومن أصدقاءٍ نسوا أن القتال ضد الفاشية التركية لا يقل طهارةً عن القتال ضد داعش أو عن معارضة بشار نفسه.

    هذا المشهد، كما قلت، سوريالي؟
    ربما.
    لكنني أراه مشهدًا كُتب منذ قرون على لوحٍ من الغيم،
    ومُسح بالدم،
    ثم أُعيد كتابته اليوم…
    بالعَرَق.
    برجفة اللغة.
    وباعتراف بلدٍ كاملٍ أن جسده ما عاد طاهرًا من النسيان.

    محبتي ومودتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *