FPN – سما المحمد
تشهد مدينة جرمانا ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار إيجارات المنازل خاصة عقب الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة الواقعة في ريف دمشق، وعلى الرغم من العقبات الإقتصادية المتمثلة بغياب الرواتب وتدني الأجور، إلا أن ذلك لم يمنع أصحاب العقارات من رفع الإيجارات ما أدّى إلى تفاقم الأزمة التي يعاني منها المستأجرون.
مَهمّة شاقّة
تصف مرح البحث عن منزل في جرمانا بالمهمة الشاقة. تقول: “لا يمكنك إيجاد منزل بأقل من مليون ليرة سورية (شهرياً)، وهذا النوع من المنازل خدماته سيئة، وغالباً ما يكون في الطوابق العليا”.
تستغرق عملية البحث عن منزل في المدينة أياماً، وربما تصل لشهر كامل، رغم كثرة العروض، إلا أن معظم الخيارات لا تحقق المطلوب، فالبيوت في غالبيتها إما أن تكون متهالكة من الداخل أو في موقع سيء.
ترتبط مشكلة الإيجارات في جرمانا بالخدمات بشكل وثيق، إذ تشهد المدينة في الفترة الأخيرة مشكلة في المياه، ما يسبب تخوفاً لدى المستأجرين من الطوابق المرتفعة وإمكانية وصول المياه إليها.
تعمل مرح في أحد بنوك العاصمة، واضطرت مؤخراً لتغيير مكان سكنها فتوجهت إلى جرمانا لتتفاجأ بالأسعار. تضيف لشبكة الصحافة الحرة: ” بعملية حسابية بسيطة أجد أن راتبي أقل من إيجار أي منزل في المدينة، حتى الغرف البسيطة والصغيرة يبلغ إيجارها أكثر من 500 ألف ليرة”.
عبر السنوات، شهدت المدينة هجرات داخلية متكررة إليها من مناطق مختلفة من سوريا، ما أثّر بشكل كبير على أسعار العقارات فيها، حيث تشهد إيجارات المنازل وأسعارها ارتفاعاً في فترات متقاربة، ومع كل موجة نزوح تبدأ أسعار المنازل بالارتفاع.
في الوقت الحالي تتراوح إيجارات المنازل بين المليون والنصف والستة ملايين ليرة، وعلى الرغم من صعوبة تأمين هذه المبالغ إلا أن حركة التأجير لا تتوقف، لكن تمثّل هذه الأسعار عبئاً كبيراً على الموظف العادي وأصحاب الأعمال الحرة الذين لا يملكون القدرة على الالتزام بها، وفي ذات الوقت تكاد تنعدم الخدمات الأساسية في معظم البيوت، وقد تكون مساحتها ضيقة جداً لعائلة واحدة، فالحرب وسوء الأوضاع المعيشية لم تمنع أصحاب العقارات من رفع الإيجارات مع كل ارتفاع في أسعار الصرف أو حدوث أزمة سكنية، فيما تشهد المدينة تزايداً في عداد سكانها بشكل مستمر.
شروط تعجيزية وخدمات شبه معدومة
يعود ارتفاع الأسعار في جرمانا بشكل أساسي إلى الإقبال الكبير على السكن فيها نظراً لقربها من دمشق، ويشكّل غياب الرقابة والقوانين التي تضبط الإيجارات وأسعار العقارات عاملاً إضافياً، فضلاً عن تداعيات الحرب وتدمير البنية التحتية في مناطق مختلفة، ما زاد من استغلال أصحاب العقارات للمستأجرين.
غالبية أصحاب العقارات يضعون شروطاً تعجيزية أمام المستأجر، فقد يشترط صاحب المنزل أن يكون الدفع مقدماً عن ستة أشهر أو حتى سنة كاملة، فإذا كان إيجار المنزل مليوني ليرة سيُضطر المستأجر إلى أن يدفع 24 مليون ليرة فور توقيع العقد، بالإضافة لأجور الخدمات من نظافة ومياه وكهرباء.
في الآونة الأخيرة بدأت الأسعار بالارتفاع مسجلة أرقاماً غير مسبوقة، فالمنزل الذي كان يُؤجَّر بنحو 500 ألف ليرة أصبح يؤجّر اليوم بمليوني ليرة. تقول سمر (اسم مستعار): “منذ سنة تقريباً استأجرت منزلاً لقاء 500 ألف ليرة شهرياً، ورغم سوء الخدمات فيه إلا أنه كان مناسباً لي مقارنة ببقية المنازل. خلال الشهر الأخير قرر صاحب المنزل رفع الإيجار لمليون ليرة اعتباراً من الشهر القادم، ومن ثم مليوني ليرة في الأشهر التالية، وهو رقم لا يمكنني تأمينه”.

لا يمكن الحديث عن الإيجارات في جرمانا دون التطرق لسوء الخدمات داخل المنازل، إذ أن معظم المنازل بُنيَت وأُنجزت تمديداتها الصحية والكهربائية بطريقة سيئة، ما يسبب أعطالاً متكررة فيها، وهذا يشكل عبئاً إضافياً على المستأجر، لأن إصلاح الأعطال يقع على عاتقه.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فاستئجار منزل يرافقه دفع رسوم المكتب العقاري (كمسيون) والتي تساوي إيجار شهر كامل، بالإضافة إلى إيجار شهر آخر كمبلغ تأمين، وكذلك يجب دفع أجور خدمات النظافة، والذي تم تحديدها مؤخراً بقيمة 500 ألف ليرة سورية عند توقيع العقد.
أسباب ارتفاع الإيجارات
تختلف أسعار الإيجارات بين منطقة وأخرى داخل المدينة، حيث تعتبر أحياء الروضة، الجمعيات، البلدية، النهضة الجديدة والجناين الأغلى سعراً، وتصل الإيجارات فيها إلى ستة ملايين ليرة شهرياً، فيما تتفاوت الأسعار في المناطق الأخرى من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة بحسب مساحة المنزل، ويعد وجود الأثاث المنزلي عاملاً إضافياً في ارتفاع الإيجار.
أما المناطق الأخرى فتعتبر من “العشوائيات” التي تفتقر لمقومات الحياة الصحية، حيث تكون الشقق صغيرة ودون تهوية، والأبنية ملتصقة ببعضها البعض، علاوةً على سوء الخدمات.
صاحب أحد المكاتب العقارية، ويدعى أبو كرم، يوضح لشبكة الصحافة الحرة أنه خلال الفترة الأخيرة “شهدت المدينة موجة نزوح من مدينة السويداء، تزامناً مع توافد مستأجرين من مناطق أخرى بسبب انتقال وظائفهم أو أعمالهم إلى مدينة دمشق”.
يضيف أبو كرم أن المكاتب العقارية تحدد أجور المنازل وفقاً لسعر الصرف ونسبة الطلب، “وفي الوقت الذي يشهد فيه سوق بيع العقارات انخفاضاً في المدينة بسبب التهديدات الأمنية، إلا أن الإيجارات ما تزال ترتفع، خاصة مع ازدياد أعداد المستأجرين من محافظات أخرى، وخاصة أولئك الذين يمكنهم دفع مبالغ كبيرة لاستئجار منزل”.
“كثير من أبناء المدينة توجهوا لتأجير منازلهم بعد أن قرروا مغادرة المدينة أو السفر، ومع تراجع أسعار البيع زادت الإيجارات”، يوضح أبو كرم. هذا ويشكل ارتفاع أسعار مواد البناء وتكلفة التمديدات والإكساء سبباً إضافياً في ارتفاع الإيجارات، خلافاً لحقيقة أن معظم الأبنية موجودة منذ سنوات طويلة، ومع عدم وجود سقف محدد للإيجارات وقوانين تنظّم عملية التأجير وآليات تضبط عمل المكاتب العقارية قد تبقى أزمة السكن والإيجارات المرتفعة في جرمانا دون حلّ يمكن تطبيقه في المستقبل القريب.
