FPN
في خطوة تاريخية طال انتظارها، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) يوم الإثنين 12 أيار 2025، حلّ نفسه رسمياً وإنهاء الكفاح المسلح ضد الدولة التركية، واضعاً بذلك حداً لصراع دام أكثر من أربعة عقود، وأودى بحياة مئات الآلاف وخلّف دماراً واسعاً في المناطق ذات الغالبية الكردية.
نهاية النضال المسلح.. وبداية مشروع سياسي
خلال المؤتمر الثاني عشر للحزب، صدر بيان جاء فيه: “الأعمال التي كانت تتم باسم الحزب قد انتهت”، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستقوم على أساس النضال السياسي والمشاركة في عمليات السلام. واعتبر البيان أن هذا التحوّل يستند إلى الحاجة لبناء مجتمع ديمقراطي عادل يضمن حقوق الأكراد داخل تركيا.
وورد في البيان الختامي للمؤتمر أن الحزب “أنجز مهمته التاريخية. هزم نضال حزب العمال الكردستاني سياسة الإنكار وإبادة شعبنا وأوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عن طريق السياسة الديمقراطية”
أوجلان من إمرالي: “زمن السلاح قد انتهى”
التحول الحاسم سبقه إعلان من الزعيم التاريخي للحزب، عبد الله أوجلان، الذي لا يزال محتجزاً في جزيرة “إمرالي” منذ عام 1999. ففي رسالة مؤرخة بتاريخ 27 شباط 2025، دعا أوجلان إلى حلّ الحزب بشكل كامل، قائلاً: “إن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة ترتكز على السلام وبناء المجتمع الديمقراطي”، مطالباً جميع المجموعات المرتبطة بالحزب بإلقاء السلاح والانخراط في العملية السياسية.
الرسالة فتحت الباب مجدداً أمام التواصل السياسي مع أوجلان، حيث زاره في 21 نيسان 2025 كلّ من بيرفين بولدان وفائق أوزغور إيرول من حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية الكردي. وتأتي الزيارة بعد تأجيل سابق بسبب ظروف صحية، وسبقتها لقاءات مماثلة في كانون الثاني وشباط مع وفود من حزب الشعوب الديمقراطي. جميع اللقاءات ركزت على ضرورة إحياء الحوار واستكمال مسار السلام المتعثر.
القضية الكردية: واقع إقليمي يفرض تحوّلات
يأتي هذا التطور في وقت لا يزال فيه الملف الكردي يشغل حيزاً حساساً من المشهد الإقليمي. ويُقدّر عدد الأكراد في الشرق الأوسط بنحو 40 مليون شخص، يتوزعون بين تركيا والعراق وسوريا وإيران، فيما يشكّل الأكراد في تركيا أكثر من 20% من السكان، يتركزون في شرق وجنوب شرق البلاد ومدن كبرى مثل إسطنبول.
في تصريح لوكالة “رويترز”، قال نائب الرئاسة المشتركة لحزب المساواة والديمقراطية للشعوب التركي، طيب تمل، إن قرار حزب العمال الكردستاني بحلّ نفسه يشكّل خطوة بالغة الأهمية ليس فقط للشعب الكردي، بل لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وأضاف تمل: “إن إنهاء حزب العمال الكردستاني لوجوده والشروع في مرحلة جديدة من التحول، يتطلب أيضًا تغيّرًا جذريًا في عقلية الدولة التركية. هذه الخطوة قد تفتح الطريق نحو تبني نموذج سياسي جديد”.
من السلاح إلى السياسة: اختبار النوايا
يشكّل حلّ الحزب لحظة فاصلة في تاريخ القضية الكردية داخل تركيا، وقد يفتح آفاقاً جديدة أمام تسوية سياسية عادلة طال انتظارها. غير أن الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الخطوة تعني نهاية حقيقية للعنف، أم أنها مجرّد محطة مؤقتة في صراع لم يطوَ بعد.
وقد بدأ حزب العمال الكردستاني كفاحه المسلح عام 1984 مطالباً بدولة كردية مستقلة، قبل أن تتجه مطالبه تدريجياً نحو الاعتراف بالهوية الكردية والحقوق الثقافية والسياسية. غير أن سنوات الصراع الطويلة خلفت ضحايا بالآلاف، وأنتجت شرخاً كبيراً بين الدولة التركية والشارع الكردي.
قسد: القرار لا يشمل سوريا
في المقابل، أوضح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، عقب نشر رسالة أوجلان أن قرار حلّ حزب العمال لا يمتد إلى الملف السوري. وقال عبدي في بيان صحفي: “القرار يخص حزب العمال الكردستاني فقط. لا يمس قسد أو الوضع داخل سوريا”، مؤكداً أن الحل السلمي في تركيا قد يسهم في الاستقرار الإقليمي، لكنه لا يغير شيئاً من واقع وتوجهات قسد في الشمال السوري.
بينما تتباين ردود الفعل على القرار التاريخي، يظل السؤال مفتوحاً: هل يشكّل إعلان حلّ حزب العمال الكردستاني مدخلاً إلى سلام دائم، أم أنه خطوة رمزية في صراع لم تنتهِ جذوره بعد؟
