FPN
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات قبل ساعات عن النتائج الأولية لأول “انتخابات” برلمانية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الفائت، والتي تم إجراؤها أمس الأحد وسط استياء شعبي وسياسي من آلية تنظيمها ومدى حقيقة تمثيلها للسوريين/ات.
النتائج أظهرت تعيين أقل من 8% من النساء في مجلس الشعب، بواقع 7 نساء فقط من أصل 105 أعضاء، تم اختيارهم من بين 1578 مرشحاً، 14% منهم كن من النساء، وفقاً لأرقام اللجنة.
الغريب في الأمر أن ثلاث مدن رئيسية، وهي دمشق وحلب ودير الزور، خلت تماماً من أي تمثيل نسائي في المجلس، في انتظار أن يقوم رئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، بـ”تعيين” 70 عضواً آخرين لاكتمال المجلس، بعد استثناء محافظات السويداء والحسكة والرقة من التمثيل لـ”دواعٍ أمنية”.
تقليص دور النساء في الحياة العامة
التمثيل الضعيف للنساء في مجلس الشعب يتوافق إلى حد كبير مع “الوجه الذكوري” للحكومة المؤقتة التي لا تضم سوى وزيرة واحدة، وهي وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، وبذلك يغدو تقليص دور النساء في مواقع صنع القرار أحد أبرز ملامح الفترة الانتقالية، بعد أن تم تهميشهن في معظم المناصب السياسية والإدارية، والاكتفاء بتمثيل شكلي لا يعبّر عن حضورهن الفعلي في المجتمع السوري.
استبعاد الكفاءات النسائية من مواقع صنع القرار جرى تحت ذرائع مختلفة، أبرزها “عدم توفر الكفاءات” و “الاعتبارات الأمنية” و “الملاءمة الاجتماعية”، فضلاً عن غياب القوانين التي تحمي النساء من المشاركة في الحياة العامة، ما يعكس استمرار نهج الإقصاء، وغياب أي توجه حقيقي لضمان مشاركة نسائية عادلة في الحياة السياسية، أو تعزيز وجود المرأة في الحياة العامة.
الناشطة السياسية فرح يوسف علّقت على ذلك بالقول: “نسبة النساء قليلة جداً وتكاد تكون معدومة، ولا تمثّل الواقع والكفاءات الموجودة، لكن في ظل الشكل الحالي للسلطة والصلاحيات المطلقة لشخص الرئيس الانتقالي، وتركيز المناصب السيادية بيد هيئة تحرير الشام ومواليها، أجد نفسي سعيدة وفخورة بقلة النساء المنخرطات في هذه العمليات الإقصائية وفي المناصب منزوعة السيادة”.
أما عن تبرير ضعف التمثيل بقلة الكفاءات، تقول يوسف لشبكة الصحافة الحرة إن ذلك غير محق على الإطلاق، واعتبرت أنه “تم إقصاء النساء أسوة بالتيار العلماني والديمقراطي وكل من لا يتوافق مع هيئة تحرير الشام”، مشيرةً إلى أن سلوك السلطة الحالية متوقّع بالنظر للتضييق الذي كان تمارسه على النساء والناشطات في الحركة النسوية طوال سنوات حكمها في شمال غربي البلاد قبل وصولها إلى سدة الحكم في كانون الأول من العام المنصرم.
هذا وترى يوسف أن أي مشاركة حقيقية للنساء غير ممكنة اليوم في ظل شكل الحكم الحالي، ودعت إلى “مقاطعة السلطة والعمل في مسارات موازية للسعي إلى التغيير وتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا”.
انتقادات تطال آلية التعيينات وغياب الشفافية
أُعطيت اللجنة العليا للانتخابات السلطة لاستبعاد المرشحين لدواعٍ أمنية، وهو بند اعتُبر فضفاضاً يتيح الإقصاء لأسباب سياسية أو مناطقية، كما أنها لم تمنح المرشحين سوى عدة ساعات بعد إعلان النتائج لتقديم الطعون.
أبرز الانتقادات لآلية تشكيل مجلس الشعب تتمثل في قام رئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، بتعيين ثلث الأعضاء بشكل مباشر، فضلاً عن الإشراف على تشكيل الهيئات الناخبة عبر لجان مختارة بعناية من قبل السلطة، ما يهدد بتحويل البرلمان إلى منبر شكلي يخدم توازنات الحكم الجديد بدل أن يكون مؤسسة تمثيلية تعبّر عن إرادة السوريين.
إضافة إلى ذلك استثنيت من “العملية الانتخابية” المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة الانتقالية، وتحديداً في شمال شرقي البلاد وريف حلب الشمالي وأجزاء من السويداء، من خلال غياب المراكز أو استبعاد المرشحين المحليين بحجة “عدم استيفاء الشروط الأمنية”، كذلك لم يُسمح لأي جهة قضائية مستقلة أو منظمة دولية بالإشراف على الانتخابات، ما يفقدها المصداقية والشفافية.
لذلك يخشى المراقبون من أن يؤدي هذا النهج إلى تعميق الانقسام الداخلي وإعادة إنتاج منظومة الإقصاء والمركزية السياسية، في وقت يتطلع فيه السوريون إلى عملية انتخابية حقيقية تقوم على التعددية والمشاركة الوطنية الواسعة، لا على إعادة إنتاج سلطة أحادية تحت مسميات جديدة.
قبل نحو أسبوعين، عبّرت 14 منظمة حقوقية ومدنية عن رفضها للنظام الانتخابي المؤقت المعتمد في سوريا، وأعربت في ورقة مشتركة عن رؤيتها في أن المرسوم يمنح الرئيس صلاحيات واسعة عبر تعيين ثلث أعضاء المجلس وتسمية بدلاء عن النواب، فضلاً عن تبعية اللجنة العليا للانتخابات له، ما يضعف مبدأ الفصل بين السلطات، كما اعتبرت أن شروط الترشح فضفاضة وتفتح الباب أمام الإقصاء السياسي، بينما جاء تمثيل المرأة والفئات المهمشة بصياغات غير ملزمة.
الورقة أوضحت أن المرسوم يقيّد الدعاية الانتخابية ويحصر الرقابة المستقلة بقرار اللجنة العليا، ويحمل نصوصاً قد تُستخدم لتقييد حرية التعبير، ودعت المنظمات الموقعة على الورقة حينها السلطات الانتقالية إلى تعديل النظام الانتخابي بما يضمن انتخاباً مباشراً وتمثيلاً عادلاً وإشرافاً مستقلاً، انسجاماً مع التزامات سوريا الدولية.
في السياق ذاته، أعرب نائب الرئاسة المشتركة للشؤون السياسية في الإدارة الذاتية، بدران جيا كورد، عن رفض الإدارة لنتائج العملية الانتخابية، معتبراً، في تصريح لقناة العربية أمس الأحد، أن الأعضاء الذين سيتم تعيينهم “لا يمثّلون الإرادة السياسية المتنوعة للمجتمع السوري”.
