FPN – سلام العبدالله
يطالب أهالي مدينة البوكمال بإعادة تفعيل المشفى الوطني الذي يُعدّ المنشأة الطبية الحكومية الوحيدة في المدينة، بعد أن خرج عن الخدمة بشكل شبه كامل منذ سنوات طويلة، وتحوّل إلى مبنى مهجور يفتقر لأبسط المقومات الصحية، في وقت يعيش فيه السكان أزمة رعاية طبية خانقة.
بحسب مصادر خاصة بشبكة الصحافة الحرة، فإن المشفى كان قبل عام 2017، أي قبل سيطرة الميليشيات الإيرانية على المنطقة، يعمل كمشفى عام يخدم سكان المدينة وريفها، إلا أنه بعد دخول تلك الميليشيات تحوّل إلى مركز مغلق للخدمات الخاصة بها، ومُنع المدنيون من تلقي العلاج داخله، ما تسبّب بحرمان الآلاف من حقهم في الرعاية الصحية الأساسية.
قبيل سقوط نظام الأسد، تعرّض المشفى لعملية تخريب واسعة، حيث عمد عناصر من الدفاع الوطني التابع للنظام آنذاك إلى سرقة معظم المعدات الطبية وإحراق أجزاء كبيرة من المبنى، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة بشكل كامل تقريباً وتركه كهيكل متفحم دون تجهيزات.
مبادرات محلية
بعد خروج المنطقة عن سيطرة النظام، حاول الأهالي عبر مبادرات محلية وتمويلات أهلية ترميم أجزاء من المشفى، إلا أن تلك الجهود بقيت محدودة في ظل غياب أي دعم رسمي أو دولي، وتم وضع ثلاثة أجهزة لغسيل الكلى في قسم صغير من المبنى، إلا أنها تقدّم خدمات محدودة جداً ولا تكفي لتلبية احتياجات المرضى في المدينة وريفها.
تشير المصادر إلى أن معظم الأقسام ما تزال محروقة ومعطّلة بالكامل، إضافة لغياب الكوادر والتجهيزات الطبية الأساسية، وسط تجاهل تام من مديرية الصحة في دير الزور التي لم تتخذ أي خطوات لإعادة تأهيل المنشأة أو إعادة تشغيلها رغم المطالبات المتكررة.
أحد العاملين في المشفى كشف لشبكة الصحافة الحرة (طالباً عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية) أن المبنى بات أشبه بمنشأة مهجورة بالكامل، ولا يمكن إعادة تشغيله دون توفير دعم لوجستي وطبي ومالي كبير.
العامل أضاف أن افتتاح أقسام أساسية في المشفى من شأنه أن يخدم شريحة واسعة من السكان، ولا سيما أن المدينة تفتقر لأي منشأة طبية حكومية بديلة، في حين أن المشافي الخاصة الموجودة قليلة، ولا تستوعب الأعداد الكبيرة من المرضى، كما أنها تشكل عبئاً مالياً لا يستطيع معظم الأهالي تحمّله.
المصدر أكد أن المشفى لم يتلقَّ أي دعم فعلي خلال الفترة الماضية، وأن كل عمليات الترميم المحدودة التي أُنجزت حتى الآن جاءت بتمويل الأهالي وجهود مبادرات أهلية محلية. إلا أن هذه الجهود، بحسب قوله، غير كافية مطلقاً للنهوض بالمشفى الذي يحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة تشمل البناء والأجهزة الطبية والكوادر.
ولفت العامل إلى أن ما قدمته مديرية الصحة في دير الزور حتى اليوم لا يتجاوز معدات بسيطة للغاية لا تكفي إلا لخدمة عدد محدود من مرضى الكلى أو لتقديم إسعافات أولية بسيطة، مشيراً إلى أن هذا الدعم “لا يحل المشكلة من جذورها ولا يرقى لمستوى الحاجة الحقيقية في مدينة يُحرم سكانها من أبسط الخدمات الصحية”.
الأهالي يؤكدون أن استمرار تعطّل المشفى الوطني يترك آلاف السكان دون رعاية طبية حقيقية، ويدفع المرضى للاضطرار إلى السفر لمسافات طويلة نحو مناطق أخرى بحثاً عن العلاج، وهو ما يشكل عبئاً كبيراً عليهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
المعاناة والبحث عن العلاج
أوضح العم حسن حمدان، البالغ من العمر 58 عاماً، في حديثه لشبكة الصحافة الحرة، أنه اضطر لقطع مسافة 150 كيلومتراً مع حفيده الذي احترقت ساقاه بالماء الساخن، متوجهاً به إلى المشفى الوطني في مركز مدينة دير الزور، مشيراً إلى أن حالة الطفل كانت تستدعي هذا التنقل الطارئ، رغم أنه قادر على الحركة، إلا أن الطريق الطويل كان مرهقاً للغاية.
العم حسن قال إن هذا الوضع أصبح واقعاً متكرراً لدى كثير من الأهالي، حيث يضطر البعض للذهاب إلى العيادات التمريضية الخاصة لتلقي الإسعافات الأولية، رغم أن خدماتها غالباً ما تكون دون المستوى الصحي المطلوب، لكن الحاجة تدفع الناس للجوء إليها. وأضاف أن يده أُصِيبت قبل ثلاثة أسابيع واحتاجت إلى خياطة طبية، فاضطر للذهاب إلى إحدى العيادات وسط المدينة ودفع 75 ألف ليرة مقابل 3 غرز فقط.
كما أشار إلى أن هذا العبء لا يقع على عاتقه وحده، بل يشمل جميع سكان المدينة، سواء عند اللجوء إلى مشافٍ خاصة أو عيادات تمريضية، ما يترك الأهالي عرضة للاستغلال المالي في ظل غياب المراكز الطبية والمستشفيات الحكومية والخدمية. وختم العم حسن حديثه بمطالبة وزارة الصحة بالتحرك الفوري، قائلاً: “بعد 11 شهراً من سقوط النظام، كنّا متفائلين، ولكن الآن أين أبسط حقوق الناس في تشغيل المرافق الصحية؟ وإلى متى سنصبر على هذا الوضع؟”
يبقى القطاع الصحي في محافظة دير الزور وريفها، بمختلف القوى المسيطرة عليها، في حالة تهالك كبير، بعد أن طال الدمار نحو 80% من البنية التحتية خلال السنوات الـ14 الماضية، ما يجعل المنطقة بحاجة ماسة إلى دعم حقيقي لإعادة تشغيل المشافي والمراكز الصحية.
