FPN – نوار الخطيب
يُعدّ ملف المقاتلين الأجانب أحد أبرز التحديات التي يتوجب على الحكومة الانتقالية التعامل معها في إطار رفع العقوبات المفروضة على سوريا، لا سيما بعد أن حذرت الولايات المتحدة الأمريكية من تولي هؤلاء مناصب قيادية في الدولة بعد سقوط نظام الأسد. التحذير الذي عبّر عنه المبعوث الأمريكي، دانييل روبنشتاين، خلال لقائه رئيس الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، في كانون الثاني الفائت عقب تعيين ستة مقاتلين أجانب في مناصب قيادية في وزارة الدفاع.
الإدارة السورية الجديدة بررت ذلك بأن هؤلاء قاتلوا في صفوف المعارضة، وأصبحوا جزءاً من المجتمع السوري، ولا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم، مع دعوات لتجنيسهم من قبل البعض، وهو ما أكده الشرع بنفسه في الثالث والعشرين من نيسان الجاري خلال مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز“، إذ أشار إلى أن حكومته تدرس إمكانية منح الجنسية السورية لبعض المقاتلين الأجانب الذين عاشوا في البلاد لسنوات، وتزوجوا من مواطنات سوريات، منوهاً إلى أن هذا الطرح لا يزال قيد النقاش، مع إقراره بأن بعض الشروط الغربية، مثل إخراج هؤلاء المقاتلين من الحكومة “تحتاج إلى تعديل أو نقاش”.
رد مبهم على المطالب الأمريكية
موقف الحكومة المؤقتة غير الواضح من طريقة التعامل مع المقاتلين الأجانب في صفوف الفصائل المسلحة التي ساهمت في عملية إسقاط نظام الأسد تحت قيادة هيئة تحرير الشام بدا واضحاً في رد دمشق على قائمة المطالب الأمريكية التي تم تسليمها لوزير الخارجية، أسعد الشيباني، في آذار المنصرم على هامش مؤتمر المانحين في بروكسل.
وكالة رويترز ذكرت، أمس السبت، أن الحكومة السورية ردت خطياً على قائمة الشروط الأمريكية بهدف تخفيف جزئي للعقوبات. بحسب رويترز، ذكرت الرسالة أن مسؤولين سوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق، دانيال روبنشتاين، معتبرين أنها “تتطلب جلسة تشاورية أوسع”، وورد في الرسالة أن “ما يمكن تأكيده حتى الآن هو تعليق إصدار الرتب العسكرية بعد الإعلان السابق عن ترقية ستة أفراد”، دون توضيح ما إذا كان قد تم سحب الرتب العسكرية منهم أم لا، ودون الإشارة إلى أي خطوات مستقبلية قد يتم اتخاذها.
أما فيما يتعلق بالطلب الأميركي للتنسيق حول قضايا مكافحة الإرهاب وإمكانية تنفيذ ضربات ضد أهداف محددة، قالت الرسالة إن الأمر يتطلب “تفاهمات متبادلة”، مع التأكيد على عدم التسامح مع أي تهديد للمصالح الأمريكية في سوريا.
تحرّكات ميدانية
موقف حكومة الشرع غير الواضح يبدو متسقاً مع خبر أورده المرصد السوري لحقوق الإنسان حول وصول دفعة جديدة من المقاتلين الأجانب إلى حمص وتمركزهم في كتيبة الرادار في منطقة ظهر القصير الاستراتيجية في الريف الغربي.
الخبر، الذي لم تؤكده لـ”شبكة الصحافة المستقلة” مصادر أخرى، ذكر أن وصول هذه الدفعة تزامن مع صدور تعليمات للأمن العام بالانسحاب من المنطقة وتسليم المهام للقوة الجديدة. المرصد أوضح أن القوة التي وصلت حمص تتألف من 30 عنصراً، ينتمون لجنسيات مختلفة، وأكثرهم من التركستان، مع معلومات تفيد باستلامهم المنطقة، على إثر وقوع “تجاوزات” في صفوف الأمن العام من “المنتسبين الجدد” بحق أبناء الطائفة العلوية، وبحسب المرصد، يواجه بعض سكان المنطقة من صعوبات في التعامل مع العناصر الأجنبية التي لا تتحدث اللغة العربية، فضلاً عن مشكلة التشدد الديني التي تميّز المقاتلين الشيشان على سبيل المثال.
من هم المقاتلون الأجانب؟
من الصعب تحديد أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة السورية، إذ تتحدث بعض الأرقام عن وجود 2500 مقاتل ممن انضموا إلى هيئة تحرير الشام بعد فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، والذين لم يلتحقوا بتنظيم “حراس الدين” فرع القاعدة في سوريا. هؤلاء حولوا أهدافهم الجهادية إلى حالة محلية فقط داخل الحدود السورية لمحاربة النظام السابق، وتنتشر منذ سقوط الأخير تسجيلات مصورة لمقاتلين أجانب، من أماكن مختلفة في سوريا، يتحدثون عن أعمالهم القتالية، وواحدة من تلك المجموعات سجلت بياناً باللغة التركية بعد سقوط النظام لتعلن “النصر” من داخل الجامع الأموي في دمشق.
يشكل المقاتلون الأتراك في سوريا جزءاً مهماً من الجهاديين الأجانب، فمنذ بداية الثورة بدأ هؤلاء بعبور الحدود التركية للقتال في سوريا، وتعتبر جماعة ” فرسان محمد” أبرزهم، وبحسب تقرير نشرته بي بي سي فإن هؤلاء شاركوا في مجازر الساحل الشهر الفائت، وأعلنت السلطات التركية قائمة مطلوبين تتألف من 26 عنصراً، وأصدرت بحقهم أحكاماً قضائية بسبب ارتباطهم بتنظيم القاعدة وقتالهم داخل الأراضي السورية.
من جهته أصدر مركز “جسور للدراسات” تقريراً عام 2022، وثق فيه وجود خمسة آلاف مقاتل في سوريا مع عوائلهم، وينتمي هؤلاء إلى 18 دولة، بعضها عربية، مثل تونس الجزائر والأردن والمغرب ومصر والسودان، أما الباقي فينحدرون من كوسوفو وألبانيا والشيشيان والجبل الأسود وصربيا وأوزبكستان وفرنسا وطاجكستان وأذربيجان وتركستان الشرقية.
من أبرز الفصائل الأجنبية الموجودة في سوريا، والتي شاركت في عملية ردع العدوان التي انتهت بسقوط الأسد الحزب الإسلامي التركستاني، والذي قاتل تحت راية هيئة تحرير الشام، ويعتبر هذا الفصيل من أكثر الفصائل تنظيماً، ويتواجد في أفغانستان وسوريا، ويخضع أفراده في سوريا لقادة الحزب في أفغانستان وأميره عبد الحق التركستاني، ويتألف الحزب من مقاتلين من الإيغور والتركستان، وينتشر في مناطق جسر الشغور وجبلي الأكراد والتركمان.
أيضاً تعتبر كتيبة “المجاهدين الغرباء” واحدة من أهم الفصائل، وتتألف مما يقارب 400 مقاتل، تأسست عام 2017 وانضوت تحت راية هيئة تحرير الشام باسم لواء “عمر بن الخطاب”، بالإضافة إلى كتائب “أجناد القوقاز”، التي شاركت هي الأخرى في عملية ردع العدوان، وتمركزت في ريف حلب الغربي وإدلب وجبال الساحل. علاوةً على ذلك، هناك “ملحمة تاكتيكال” التي درّبت قوات العصائب الحمراء التي ينتمي معظم عناصرها للجنسية الإيغورية، وتنظيم حراس الدين، الذي يتألف من مقاتلين أردنيين ومغاربة وتونسيين ومصريين وأتراك.
