عبد السلام الأسمر
منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، تصاعد في المشهد الإعلامي المحلي والدولي خطاب الكراهية، الذي غذّته الانقسامات السياسية والطائفية والعرقية. هذا الخطاب لم يقتصر على المنابر السياسية، بل امتدّ إلى وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية، ما ساهم في تعميق الانقسامات وإطالة أمد الصراع. في مثل هذه السياقات، يبرز مفهوم الإعلام الحساس للنزاع كنهج ضروري للحد من العنف وتعزيز التفاهم بين مكونات المجتمع.
مفهوم خطاب الكراهية في السياق السوري
خطاب الكراهية هو كلّ تعبير شفهي أو كتابي أو بصري يتضمّن تحريضاً أو تمييزاً أو إهانة على أساس الانتماء الديني، الطائفي، القومي، أو السياسي. في سوريا، أخذ هذا الخطاب أشكالاً متعددة، بدءاً من التحريض الطائفي بين مكونات المجتمع من عرب وأكراد ومسيحيين ومسلمين على اختلاف مذاهبهم، والشيطنة الإعلامية للأطراف المتنازعة من خلال القنوات الفضائية أو الصفحات الإخبارية، بالإضافة إلى التضليل ونشر الشائعات التي تستهدف فئة أو منطقة معينة، إلى جانب استخدام الصور والمصطلحات المهينة التي تخلق بيئة من العداء المستمر.
انتشار خطاب الكراهية أفرز جملة من النتائج كان من أبرزها تعميق الانقسام الاجتماعي وتحويل الخلافات السياسية إلى صراعات هوياتية، وتشجيع العنف وتبرير الانتهاكات ضد فئات محددة، فضلاً عن إضعاف فرص المصالحة بعد انتهاء النزاع، وإعادة إنتاج الصور النمطية السلبية التي تعيق التعايش.
الإعلام الحساس للنزاع كوسيلة للمواجهة
يُعرف الإعلام الحساس للنزاع (Conflict-Sensitive Journalism) كنهج إعلامي يهدف إلى تغطية الأحداث بطريقة شاملة لجميع الأطراف، حيادية خالية من التحيزات الخطيرة، ومسؤولة بحيث لا تؤدي إلى تصعيد العنف.
ولغرض مواجهة خطاب الكراهية في الإعلام، يمكن اتباع مجموعة من الاستراتيجيات، من قبيل التحقق الصارم من المعلومات قبل النشر لتجنب نشر الشائعات المحرّضة، واستخدام لغة محايدة وتجنب المصطلحات المليئة بالشحن العاطفي، وإبراز قصص إنسانية مشتركة تظهر المعاناة والمصالح المتقاربة بين الأطراف، وإعطاء مساحة للأصوات المعتدلة من جميع المكونات.
علاوةً على ذلك، من المهم تدريب الصحفيين بشكل مستمر على مبادئ الإعلام الحساس للنزاع، والتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي لرصد وإزالة المحتوى المحرّض على العنف، إضافةً إلى إنتاج حملات توعية تشرح مخاطر خطاب الكراهية على المجتمع ككل.
تحديات تطبيق الإعلام الحساس للنزاع في سوريا
لا شكّ أن اعتماد الإعلام الحساس في السياق السوري يواجه مجموعة من التحديات، كالاستقطاب السياسي الحادّ يجعل الحياد صعباً، والقيود على حرية التعبير في مناطق السيطرة المختلفة، يضاف إلى ذلك انتشار الإعلام البديل غير المهني عبر وسائل التواصل، وغياب آليات محاسبة فعّالة لمروجي الكراهية.
هنا يجب التشديد على أنّ مواجهة خطاب الكراهية في سوريا ليست مهمة إعلامية فقط، بل هي واجب مجتمعي وأخلاقي. فالإعلام الحساس للنزاع يمكن أن يكون أداة قوية لتخفيف حدة الانقسامات، لكنه يحتاج إلى إرادة مهنية، ودعم مؤسساتي، وتعاون مجتمعي حتى ينجح. وفي بلد أنهكه الصراع، يمكن للكلمة المسؤولة أن تكون بداية الطريق نحو المصالحة والسلام.
