FPN – نور سليمان
تجري حالياً أعمال تتضمن إزالة نصب شهداء الجلاء، الذي نفّذه الفنان الحلبي الراحل، عبد الرحمن موقت، وذلك في إطار ما يُسمى بمشروع إعادة تأهيل ساحة سعدالله الجابري. النصب المنحوت من الحجر الحلبي الأصيل يجسّد نضال أهل المدينة ضد الانتداب الفرنسي حتى نيل الحرية والاستقلال.
ما يحدث اليوم من تغيير في معالم الساحة لا يراعي الهوية البصرية لحلب، كما يعكس ضعفاً في فهم القيمة الفنية في المدينة. في العادة، مثل هذه المشاريع تُطرح عبر مسابقة مفتوحة للفنانين والمصممين، ثم تُختار أفضل التصاميم بناءً على تقييم لجنة فنية وهندسية، يليها استفتاء لأهل المدينة لاختيار التصميم الأنسب. لكن ما يجري الآن يفتقر إلى الشفافية، ويفرض واقعاً قد يُفقد حلب واحدة من أبرز رموزها النحتية.
حماية معالم حلب من التشويه!
تحدّث المهندس المعماري حسام الدين الفاعل في منشور على “فيسبوك” عن مستويين من المشكلة؛ إجرائياً، أوضح أنّ هناك تساؤلات مشروعة حول كيفية اعتماد التصميم الحالي، ومن هي الجهة المسؤولة عنه، وكيف تمت الموافقة عليه من قبل السلطات، ويضيف: “قرارات بهذا الحجم، والتي تمس الهوية البصرية والمكانة التاريخية لمدينة بحجم حلب، لا ينبغي أن تمرّ دون إجماع مجتمعي وموافقة مجلس مدينة منتخب يمثّل آراء وأحلام السكان، كما أنه كان من الضروري استشارة لجنة متخصصة من المعماريين والفنانين وأصحاب الخبرة، لضمان اتخاذ القرار الأفضل لمستقبل المدينة”.
أما على المستوى الفني، يرى الفاعل أن التصميم المقترح يبدو بمستوى فني أدنى من المطلوب، موضحاً أن “الأمر لا يتعلق بشخص المصمم، بل بالنهج المتّبع، حيث يُفترض أن تتم هذه العملية من خلال مسابقة معمارية مفتوحة، يشارك فيها كل من يرى في نفسه الكفاءة وحبّ المدينة، لضمان أقصى درجات الشفافية والجودة.

هل تغيير الساحة أولوية لسكان حلب؟
تحدّث المهندس حسام الدين الفاعل عن وجود عشرات القضايا الملحّة التي تحتاج إلى اهتمام أكبر تهدد الاستقرار، متسائلاً عن إصرار السلطات على تحويل ساحة سعدالله الجابري إلى منصة دعائية لمشروع تجاري خاص، بدلاً من التركيز على الأولويات الحقيقية للمدينة وسكانها.
كما شدد على أنّ المعركة ليست من أجل “حجر”، أو دفاع عن نصب شهداء الجلاء الذي نحته الفنان الراحل عبد الرحمن موقت في الثمانينيات، رغم أنه معلم بارز وله رمزية وطنية، وإنما القضية هي الحفاظ على ذاكرة المدينة وهويتها البصرية، التي لا تخص الحلبيين فقط، بل كل السوريين الذين زاروا هذه الساحة والتقطوا صورهم بجانب هذا المعلم التاريخي.
الحلول الممكنة
وفقاً لحسام الدين فإن الاعتراض العلني والتعبير عن رفض هذه التعديلات هو أول الحلول الممكنة، لأن الصمت قد يؤدي إلى فرض واقع يصعب تغييره مستقبلاً، والتواصل مع الجهات المعنية للمطالبة بتعديل الأعمال، بحيث تقتصر على الترميم والتجميل دون المساس بهوية الساحة أو إزالة النصب التذكاري.
كذلك، المطالبة بانتظار مجلس مدينة منتخب يمثل سكان حلب، بحيث يتولى هذا المجلس تشكيل لجنة متخصصة لوضع خطة تطوير حضارية قائمة على أسس علمية وفنية، مع فتح باب المسابقات المعمارية لاختيار التصميم الأفضل، حتى لو كان بين الخيارات إزالة النصب التذكاري، لكن بطريقة مدروسة وشفافة.
من الممكن أيضاً، إشراك القطاع الخاص في تطوير الساحات، ولكن وفق أسس تحفظ القيمة الرمزية للمكان، وليس عبر حلول تسويقية سطحية، وإن كان لا بد من إشراكه، فيجب أن يكون ذلك عبر مسابقة مفتوحة ومنافسة عادلة، وليس باحتكار شركة واحدة للمشروع.
رفض مجتمعي لمشروع إعادة تأهيل الساحة
يشهد مشروع إعادة تأهيل ساحة سعدالله الجابري في حلب رفضاً مجتمعياً واسعاً، فقد عبّر العديد من أبناء المدينة عن استيائهم من الطريقة التي يتم بها تنفيذ المشروع، خاصةً فيما يتعلق بإزالة نصب شهداء الجلاء، أحد أبرز المعالم النحتية في المدينة. هذا الرفض لم يكن مجرد اعتراض فردي أو نقاش عابر، بل أصبح حالة مجتمعية واضحة، تمثّلت في موجة استياء على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أطلق السوريون وخاصة الحلبيون نداءات مفتوحة لوقف التعديلات الجذرية التي تمس هوية الساحة ومعالمها التاريخية.
إضافة إلى ذلك، هناك مقالات وآراء من معماريين وفنانين وأكاديميين عبّرت عن قلقها من غياب الشفافية في اتخاذ القرار، وضرورة اعتماد مسابقة معمارية مفتوحة بدلًا من فرض تصميم مشكوك في جودته، إذ يخشى الحلبيون أن يكون هذا المشروع مجرد بداية لتعديلات عشوائية أخرى قد تمس معالم بارزة أخرى مثل ساعة باب الفرج أو ساحة الحطب، مما يفتح الباب أمام مزيد من العبث بالهوية التاريخية للمدينة.
النحت اليدوي في الحجر والرخام من الفنون المهمة، وحلب بتاريخها تستحق الحفاظ على هذا التراث بدلاً من إزالته. في كل دول العالم، تُعتبر التماثيل والنُصب الفنية انعكاساً لثقافة الشعوب وحضارتها، وحلب ليست استثناءً، وساحة سعدالله الجابري ليست مجرد مساحة للاستثمار التجاري العشوائي، بل هي ذاكرة حلب ورمزها الوطني والتاريخي. أي تغيير يجب أن يكون مدروساً ويحترم تاريخ المدينة وهويتها، وليس مجرد صفقة تجارية أو استعراض استثماري، لأن المدن العريقة تُحترم وتُحفظ، ولا تُحوَّل إلى مشاريع مؤقتة بلا هوية.





1 أفكار حول “إعادة تأهيل ساحة سعدالله الجابري: لا للتشويه!”